فإذا أدرك نبيك، أيها العبد، ما لم تدرك فاعلمْ أنه يرى من حيث لا ترى وذلك سواء، ولا يستبعد ذلك إلا جاهل؛ فقد خلق الله المرآة دليلاً على غيب القدرة فإنك ترى فيها نفسك وترى فيها ماوراءك، وليس الذي تراه في المرآة مثالاً بل هو نفس المرئي بعينه؛ والدليل القاطع على ذلك أن المرآة تكون فيِ غلظ قشرة البيضة ثم تقابل بها وجهك فتدنو من المرآة فترى الدنو فيها، وتبتعد عنها ذراعًا وذراعين فترى البعد فيها، ومحال أن يكون ذلك الدنو والبعد الكثير في غلظ قشر البيضة، فدل على أن الذي تدرك إنما هو حقيقة المرئي.

حديث: "كَانَ يَأْتِي قُبَاءً رَاكِباً وَمَاشِياً" (?)، وقال - صلى الله عليه وسلم - "لا تَعْمَلُ الْمَطِيُّ إِلَّا إِلَي ثَلَاثَةِ مَسَاجِدٍ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَسْجِدِي هذَا وَمَسْجِدِ إِيلِيَّاءَ" (?) الحديث.

فثبت فضل هذه الثلاثة مساجد بالقول والفعل، ثم حدثت البدع في الخلق فعادوا يختارون المساجد، وليس في الأرض مسجد له فضل على غيره لا هم إلا مساجد الثغور (?) لما فيها من فضل الرباط، ولكن تفطَّن مالك، رضي الله عنه، لسعة باعه في العلم، وعِظَمِ اطّلاعه بالنظر، إلى مسألة فأتت من سواه وذلك أنه قال: (مَنْ نَذَرَ أنْ يَصُومَ في مَسْجِدِ الربَاطِ لَزِمَهُ أَنْ يَأْتِيَهُ وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ فِيهِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ شَيْءٌ" (?) وذلك لأن حماية الثغر تجتمع مع الصوم ولا تجتمع مع الصلاة.

حديث أبي قتادة في حمل النبي أمامة قال فيه مالك: "كَانَ يصلي وَهُوَ حَامِلٌ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015