والجواب. أنا نقول إن البركة في اللغة هي الزيادة والنماء فإذا وردت في الشريعة، فإنما المراد بها (?) سلامة الدين وقلة الحساب وكثرة النماء في الآخر وهذا كقوله تعالى {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ} (?) وأنت تراه يتكاثر ويربي الصدقات، وأنت تراه ينقص المال ويفنيه ولكن المعنى عائد إلى ما بيناه.

وأما الفصل الثالث: في أعمال المطي إليها فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - (لا تشد الرحال إلَّا إلى ثلاثة مسَاجد: مسجدي هذا فبدأ به، والمسجد الحرام، ومسجد إيلياء) (?) ولم يرد - صلى الله عليه وسلم - قطع النيات عن سائر المساجد في القربات والأغراض الشرعيات، فإنه قد كان يأتي مسجد قباء كل سبتٍ (?) وإنما أراد الوجوب عند النذر والإلزام عند التصريح بالالتزامِ وقد بيّنا ذلك في مسائِل الخلاف.

وأما الفصل الرابع: في فضلها فإنه فصل بديع تكلم فيه العلماء قديمًا وحديثاً واعترضوه فما أصابوه، قالوا في كتبهم على اختلاف فرقِهم (?): هل المدينة أفضل أم مكة؟ فقال قائل: مكة وقال قائِل: المدينة وهذا الكلام كله خطأٌ لم يحصّلوه إذ قالوه وذلك أنا بيناهَا في مسائلِ الخلافِ بيانًا شافياً لِبَابُه (?) أن السؤال فاسد والجواب غير محصلٍ وذلك أنا قد بينا في كتاب تفصيل التفضيلِ بين التحميدِ والتهليل أن "ف ض ل" حيث ما وقع وكيف ما تَصرف إنما هو عبارة عن الزيادة، فإذا قال السائل أيما أفضل كذا أو كذا لم يستحق جواباً لأنه يقال له تريد بقولك أفضل في أي شيء في منعة أو في طاعة والطاعات كثيرة، فإلي أيها تنحّي (?) بالزيادةِ، وإذا قلت المدينة أفضل أو مكة تزيدُ في الصلاةِ أو في السكنى أو في الحج أو في البركة أو في أي متعلقٍ من متعلقات الزيادةِ الشرعي (?) والتفضيل الحكمي وما يتطرق إليه هذا الاحتمال ويكون في هذا الحد من الاهمال كيف يصبح أن يجاوب عنه بمعين من معيناتِ متعلقاتِه قبل أن يعلم قصد السائل من جملتها ولو تخيل متخيل أن يقال في الجوابِ إن المدينة أفضل ويعني في كل شيء من ذلك أو مكة أفضل

طور بواسطة نورين ميديا © 2015