المدنيين. فإن قيل أي حرمة لمكة وقد فعل الحجاج بها ما فعل وأي حرمةٍ للمدينة وقد كان فيها يوم الحرة ودين الإِسلام قائم والمسلمون متوافرون. قلنا: كانت العصمة قبل الإِسلام مقدمة للنبي - صلى الله عليه وسلم - في الإنذار به والاشادة بذكره وشرف آبائه وكانت الهتكة في الإِسلام إبتلاء من الله سبحانه وتعالى للخلق ليعلم (?) صَبرهم فيما ابتلاهم وعملهم فيما كلفهم وأعطاهم كما قال: {لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} (?). فإن قيل فقوله فعادت حرمتها اليوم كما كانت أمس خبرٌ لم يوجد مخبره بما وقع من انتهاك الحرمة أيام الحجاج والقرامطة وقد قتل الحجاج فيها وسلبَ الناس فيها وخلعَ الحجر الأسود فحمل منها وهذا سؤال توجهه الملحدة تشويشاً منها لقلوب العامةِ. قلنا هذا سؤال فاسد لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أخبرَ عن حرمتها شرعاً لا جرم هذه الحرمة اَلشرعية لا تنخرم شرعاً أبدًا وإلى هذا المعنَى أشار بقوله إنها حرام يعني ديناً لم تحلل قط ولا تحلل لا جرم هذا الخبر لا يوجد بخلاف مخبره فإن قيل فقد رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - بيد صبي نغيراً فقال له يا أبا عمير (?) ما فعل النغير (?) ولو كان صيدها حراماً ما تركه النبي - صلى الله عليه وسلم - في يد صبي يلعب به قلنا عنه جوابان:

أحدهما: (?) يحتمل أن يكون ذلك قبلَ التصريح بالتحريم.

الثاني: وهو التحقيق أن ذكره - صلى الله عليه وسلم - للتحريم تأسيسا بقولٍ صريحٍ مطلقٍ بين به حكم

الشرع لا يعترض عليه قضايا الأعيان، ولا تؤثر فيه حكايات الأحوال وهًذا أصلٌ عظيم من أصول الفقه قد بيناه في موضعِه.

الفصل الثاني: في بركتها: فإنه أمرٌ مدعوُّ به في الحَرمين منَ النبَّيينِ الكريمين. فإن قيل: وأي بركةٍ فيهَا وهي بلاد الجوع لا زرعَ بها ولا ضَرع وهذا السؤال توجهه الملاحدة المشككة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015