بمثلهِ لقطعنا بخطئه لأنها تتفاوت البقعتَانِ في ذلك تفاوتًا كثيراً، ولكنا نفصلُ القول قصداً للتعيين فنقول إن سأل سائل فقال في أي بقعةٍ هي الصلاة أفضل في مسجد مكة أو في مسجد المدينةِ استحق الجواب لأجل التعيين. فنقول نحن: الصلاة في مسجد المدينة أفضل لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - (صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاةٍ فيما سواه إلَّا المسجد الحرام)، فنص على أن التقدير للتفضيلِ بين مسجده وبين سائر المساجد وأبقى المسجد الحرام تحت الاستثناء، فيحتمل أن يكون خرج بزيادة عليه أو بحطٍ منه. فإن قيل: فقَد روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه إلَّا المسجد الحرام، فإن صلاة فيه خير من مائة صلاةٍ في مسجدي هذا) (?). رواه البغوي وغيره. قلنا: لا ننفي نحن مثل هذا الحديث ولا نقبله لعدم صحتِه وقد بينا ذلك في شرح الصحيح وأما لو قال أيما أفضل السكنى بالمدينة أو السكنى بمكة، لكان جوابنا له أن نقولَ هذا أمرٌ كنظرائه مدركه الخبر. قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (لا يصبر على لأوائها وشدتها أحد إلَّا كُنتَ له شفيعاً أو شهيداً يوم القيامة) (?) ولم يرد في مكة شيء من ذلك فإن أدرك فضل في سكناها بالاعتبار فما كان بصريح الآثارِ منه أولى على أن كثيراً من العلماء قد كرهوا سكنى مكة، واختلف الناس في تعليلِ ذلك فمنهم من قال كره ذلك لئلا تهون على ساكنها، وهذا نظر إلى الظواهر مع ضعف اليقين، فأما اليقين الصادق السالك على الاهتداء المرتبط بالاقتداءِ فإنه يزيده السكنَى بصيرةً، وتقوى فيه العلانيةُ بالسريرَةِ كما قال الخليفة الصالِحُ: "والله إني لأعلم أنك حجرٌ لا تضر ولا تنفعُ، ولولا أني رأيتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -قبَّلك ما قبّلتك" (?) وقال قوم في تعليل ذلك إنما هو لأجل خوف الذنوبِ فيها، فإنّ المعصية فيها وفي المدينة أعظم