الإِسلام وهو شَرط في صحةِ الإحصان، فإنه لا إحصَان لمن لا إسلام له إذ الإحصَان كمال وفضيلة ولا فضيلة مع الكفر. فإن قيل: فقد رجم النبي - صلى الله عليه وسلم - اليهوديين. قلنا إنما فعل ذلك إقامة للحجة عليهم من كتمان ذكره في التوراةِ. فإن قيل: فكيف يقيم الحجة عليهم بما لا يراهُ حقًا وقد قيل له (فاحكم بينهم أو أعرض عنهم .. وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط) (?)، وليس من القسط أن يرجم الكافر، وعلى هذا عوَّل الأئمةِ من أصحاب الشافعي في أن الإِسلام لا يشترط في الإحصَان. قلنا من فهم مساق المسألة على وجه الحجةِ وصورتها أن اليهوديين زنيا، فلو شاءت اليهود لما جاءت إلى النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -, لأنه لم يكن له حكم عليهم بالشرطِ الذي شرط لهم ولكنهم قالوا: نمشي إليهِ حتى نعلمَ حاله في الرجمِ، فإن حكم به فهو نبي، وإن مرَّض فيه فهو محتال، فلما مثلوا بين يديهِ وسردُوا عليه القصة، فهمَ النبي - صلى الله عليه وسلم - الغرض، فرمى عليه فقال إيتوني بأعلم من فيكم، فأتوا (?) بابن صوريا فقال لهما أنشدكما الله هل تجدون الرجم في التوراة؟ فقالوا لا؟ قال: فأتوا بالتوراة فاتلوها فجاؤا بها فوضِع أحدهم يده على آيةِ الرجمِ، وجعل يقرأ ما قبلها وما بعدها، فقال عبد الله بن سلَّام، يرفع يده فإن آية الرجم (?) تحتها فرفع يده، فإذا آية الرجم تلوح فقال: ما حملكم على ترك الرجم فقالوا (?) الحديث إلى آخرهِ، فإن قيل: فلم استدعى شهود اليهود قيل حتى تقوم الحجة عليهم من قبلِ أنفسهم، فلا يقولون عجل علينا محمَّد. فتبين عند عامة اليهود بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن علمائهم في صفةِ من يكتم الحق في كتاب الله حتى يكذبوهم في قولهم ليس ذكر محمَّد في التوراة، وقبل "وبعد" (?) فإذا لاحت الحقائق، فليقل المتعصب بعدها ما شاء. لو جاءوني لحكمتُ بالرجم ولم أعتبر الإِسلام في الإحصَان.

الحكم الخامس عشر: الجلد في الزنا، إنما هو من الله تعالى بإجماع يستوفيه نائبه فيه وفي أمثاله ويقوم به خليفته عليه وعلى غيره وهو الإمام أو من يقوم بذلك، وهذا مما لا خلاف فيه، فمن العلماء من أجراه على عمومه ومنهم من خصَّصه، فأخرجَ حدودَ العبيد عن حكم الإِمام وجعلها بأيدي السادة، وهو مالك والشافعي، وتعلقوا في ذلك بأدلة استوفيناها في مسائلِ الخلافِ والحاضر الآن منها والأقوى فيها أن الكل كانَ بيد النبي - صلى الله عليه وسلم -،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015