البيزنطية واستخدامه لفقه السياسة الشرعية في زعزعة الحلف البيزنطي مع مملكة بيت المقدس وأنطاكية ضده وحتى لا يجعل دولته بيت عدوين الصليبيين في الجنوب والبيزنطيين في الشمال واستطاعت دبلوماسية الدولة النورية أن تصل إلى صلح مع الدولة البيزنطية،
ومعلوم أن البيزنطيين كان لهم باعهم الطويل في شأن الدبلوماسية وكذلك الحال بالنسبة للدولة النورية التي اتصلت دبلوماسياً بالعباسيين والفاطميين ومملكة بيت المقدس الصليبية أي بكافة القوى الكبرى في المنطقة سواء الإسلامية أو المسيحية والملاحظة المهمة في فقه نور الدين جهده الكبير في المفاوضات مع الاستعداد العظيم لحشد الجيوش واستنفار الأمة للتصدي ولقد استطاعت المهارة السياسية الزنكية أن تدق أسفين بين التحالف البيزنطي والصليبيين وهذا لم يأتي بدون دفع ثمن وإنما لتنازلات غير عادية، فقد اتخذ نور الدين خطوة يصعب تقيمها إلا بوصفها من قبيل القرارات الصعبة المصيرية، فلعلم نور الدين محمود الحالية والمرحلية ضد الصليبيين وليست ضد البيزنطيين، فإنه وازنْ بين الإطاحة بمشروعه الكبير على يد الحملة الصليبية البيزنطية وبين الوقوف ضد سلاجقة الروم، فاختار الخيار الأخير، علماً بأن سلاجقة الروم في تلك المرحلة كانوا كالدولة المستقلة
ولم تندمج في مشروع نور الدين، بل كانت تعتدي على حلفاء الدولة الزنكية وأملاكهم، واستطاع نور الدين أيقاف الحملة بعد عقد معاهدة بين الدولة النورية والأمبراطورية البيزنطية وكان من أعظم النتائج التي ترتبت على هذه الخطوة، حفظ المشروع الإسلامي النوري من التصدع أو الضعف أو الزوال وما كان للدبلوماسية النورية أن تنجح لولا الله ثم مساندتها بقوة عسكرية ضاربة استطاعت مواجهة التحالف العسكري البيزنطي، الصليبي ومعه الأرمن في معركة حارم عام 559هـ/1164م.
إن مقاومة الغزاة تحتاج لمشروع نهضوي على أصول الإسلام الصحيح، من عقيدة سليمة، ومرجعية واضحة تعتمد على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وهدي الخلفاء الراشدين له القدرة على استيعاب طاقات الأمة، وعلى رأس ذلك المشروع قيادة ربانية واعية تستطيع أن تستفيد من إمكانيات الأمة وتستوعب فقه المبادرة كي تفجر طاقاتها وتوجهها نحو التكامل لتحقيق الخير والغايات المنشودة، فيأتي دور القيادة لتربط بين الخيوط والخطوط والتنسيق بين المواهب والطاقات وتتجه بها نحو خير الأمة ورفعتها وفق رؤية نهوض شاملة تتحدى كل العوائق وتسد كل الثغرات التي تحتاجها الأمة في النهوض وتبث روح الأمل والتفاؤل بين الناس وتحضهم على التمسك بعقيدتهم وقيمهم ومبادئهم والترفع عن حطام الدنيا وإحياء معاني التضحية وشحن الهمم، وتقوية العزائم، في نفوس النخب والجمهور