إن أية أمة تريد أن تنهض من كبوتها لابد أن تحرك ذاكرتها التاريخية لتستلخص منها الدروس والعبر والسنن في حاضرها وتستشرف مستقبلها، وإيجاد الكتب النافعة في هذا المجال من الضرورات في عالم الصراع والحوار والجدال والدعوة مع اليهود والنصارى
والملاحدة والعلمانيين والمبتدعة .. إلخ وهذا يدخل ضمن سنة التدافع في الأفكار والعقائد، والثقافات والمناهج وهي تسبق التدافع السياسي والعسكري، فأي برنامج سياسي توسعي طموح يحتاج لعقائد، وأفكار وثقافة، تدفعه فالحرف هو الذي يلد السيف، واللسان هو الذي يلد السنان والكتب هي تلد الكتائب.
إن تجربة نور الدين محمود ثرية وهي تجيب على الكثير من الأسئلة المطروحة على الساحة القطرية، والإقليمية والعالمية وهذه التجربة تأتي شاهداً تاريخياً مقنعاً، تماماً كما كانت تجربة عمر بن عبد العزيز من قبله على إن الإسلام قدير في أية لحظة تتوفر فيها النية المخلصة والإيمان الصادق والالتزام المسؤول والذكاء الواعي، على إعادة دوره الحضاري والقيادي وإخراج الناس من ضيق الدنيا إلى سعتها ومن جور الأديان إلى عادل الإسلام هذا وقد كانت علاقتي الروحية مع نور الدين محمود منُذ كنت طالباً بالمدينة المنورة، حيث أنني كنت ممن تتلمذ على أشرطة الشيخ الدكتور سفر الحوالي شفاه الله من كل سوء ومن ضمنها كان الحديث عن نور الدين محمود الشهيد في شريطين، فتعلقت بسيرة هذا القائد الفذ، وقد حث الشيخ في محاضرته طلاب العلم والعلماء على كتابة سيرته والبحث فيها ومن هناك كانت نقطة البداية وفي إحدى زياراتي للمدينة النبوية بعد تخرجي زرت أستأذنا وشيخنا الدكتور يحي إبراهيم اليحي وحدثني عن نور الدين محمود وطلب مني أن أبحث في سيرته فإنها تستحق الدراسة على حد قوله، وازدت قناعة بالموضوع إلا أن انشغالي بالسيرة وتاريخ صدر الإسلام ومرحلة الدراسات العليا منعني من تحقيق هذا الهدف النبيل، الذي لم يغيب عن ذاكرتني، ووجداني وأصبح من ضمن أهدافي الرئيسية في الحياة ودخل في أورادي ودعواتي بأن يوفقني الله لتحقيقه وعندما أقمت باليمن السعيد الحبيب، كان من ضمن شيوخي الذين طلبوا مني الكتابة في مرحلة الحروب الصليبية الشيخ الدكتور عبد الكريم زيدان، الذي استفدت منه كثيراً في عهد الخلافة الراشدة ولا أنسى أبداً شيخي واستاذي ياسين عبد العزيز اليماني الذي فتح لي بيته للحوار والنقاش وأعطاني من وقته الثمين الساعات الطوال، وفي زيارتي للشيخ الدكتور القرضاوي حثني على الكتابة في سيرة نور الدين محمود واعتبرها من الشخصيات التي لم تعطى حقها في التاريخ وأما
شيخي واستاذي الدكتور سلمان العودة فقد قال لي: نادراً ما تتاح الفرصة للبحث في القضايا التاريخية مثل