هذا؛ فإن ولاية الحكام في وقتنا هذا ولايات صحيحة، وإنهم قد سدوا من ثغر الإسلام ثغراً سده فرض كفاية، ولو قد أهملنا هذا القول ولم نذكره، ومشينا على طريقة التغافل التي يمشي فيها من يمشي من الفقهاء الذين يذكر كل منهم في كتاب صنفه، أو كلام قاله؛ أنه لا يصح أن يكون أحد قاضياً حتى يكون من أهل الاجتهاد، ثم يذكر في شروط الاجتهاد أشياء لست موجودة في الحكام؛ فإن هذه كالإحالة، وكالتناقض، وكان تعطيلاً للأحكام، وسداً لباب الحكم، وإنه لا ينفذ حق، ولا يكاتب فيه، ولا يقان بينة إلى غير ذلك من هذه القواعد الشرعية؛ فكان هذا غير صحيح، وبأن الصحيح أن الحكام اليوم حكوماتهم صحيحة نافذة، وولاياتهم جائزة شرعاً، فقد تضمن هذا الكلام أن تولية المقلد يجوز إذا تعذر تولية المجتهد، وأنه انعقد الإجماع على تقليد كل واحد من المذاهب الأربعة، وأن إجماع الفقهاء الأربعة حجة لا يخرج الحق عنهم.
وقال أيضاً: فإن خرج من الخلاف فإخذ بالأحوط، كتحريه مسح جميع رأسه، وأخذه فيما لا يمكنه الخروج من الخلاف فيه، كمسألة البسملة بقول الأكثر؛ كان الأولى ... إلى أن قال: ومن لم يكن فتياه حكاية من غيره؛ لم يكن له بد من استصحاب الدليل فيها.
وإذا سئل المجتهد عن الحكم؛ لم يجز له أن يفتي بمذهب غيره، لأنه إنما سئل عما عنده، فإن سئل عن مذهب غيره؛ جاز له أن يحكيه، لأن العامي يجوز له حكاية قول غيره، ولا يجوز له أن يفتي بما يجده في كتب الفقهاء، وإنما يفتيه به فقيه، هذا قول أبي الخطاب.
وقال الحليمي، والروياني: لا يجوز. وقال أبو عمر: وقول من قال: لا يجوز. معناه أنه لا يذكر في صورة ما يقوله من عند نفسه، بل يضيفه إلى إمامه الذي يحكيه عنه، فعلى هذا: من عددناه في إضافة المفتين من المقلدين؛ ليسوا على الحقيقة من المفتين، ولكنهم قاموا مقامهم