أبي هريرة: الصحيح في هذه المسألة أن قول من قال: لا يجوز تولية قاض حتى يكون من أهل الاجتهاد؛ فإنه إنما عنى به ما كانت الحال عليه قبل استقرار ما استقر من هذه المذاهب التي أجمعت الأمة على أن كلاً منها يجوز العمل به؛ لأنه مستند إلى أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالقاضي في هذا الوقت، وإن لم يكن سعى في طلب الحديث ونقله، وعرف من لغة الناطق بالشريعة ما لا يعوده معه معرفة ما يحتاج إليه، وغير ذلك من شروط الاجتهاد؛ فإن ذلك مما فرغ له منه غيره، ودأب فيه سواه، وانتهى الأمر من هؤلاء الأئمة المجتهدين إلى ما أراحوا به من بعدهم، وانحصر الحق في أقاويلهم، وتدونت العلوم وانتهت إلى ما اتضح فيه الحق، فإذا عمل القاضي في أقضيته بما يأخذه عنهم، أو عن الواحد منهم؛ فإنه في معنى من كان اجتهاده إلى قول قاله، فإنه إذا خرج من خلافهم متوخياً مواطن الاتفاق ما أمكنه، كان آخذاً بالحزم، عاملاً بالأولى، وكذلك إذا قصد مواطن الخلاف توخيه ما عليه الأكثر منهم، والعمل بما قاله الجمهور دون الواحد؛ فإنه قد أخذ بالحزم والأحوط والأولى، مع جواز أن يعمل بقول الواحد، إلا أنني أكره له أن يكون ذلك من حيث أنه قد قرأ مذهب واحد منهم، أو نشأ في بلدة لم يعرف فيها إلا مذهب إمام واحد منهم أو كان شيخه ومعلمه على مذهب فقيه من الفقهاء خاصة، يقصر نفسه على اتباع ذلك المذهب، حتى إذا حضر عنده خصمان، وكان مما تشاجرا فيه مما نقل عن الفقهاء الثلاثة فيه بحكم، نحو التوكيل بغير رضى الخصم، وكان الحاكم حنفياً، وقد علم أن مالكاً، والشافعي، وأحمد اتفقوا على جواز ذلك، وأن أبا حنيفة لم يجز ذلك، فعدل عما أجمع عليه هؤلاء الثلاثة إلى ما ذهب إليه أبو حنيفة، فإني أخاف على هذا أن يكون متبوعاً من الله، بأن اتبع في ذلك هواه، وأنه لا يكون ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ... إلى أن قال: وبمقتضى