ولم أجد في كلام من وقفت عليه من الأصحاب أن البيع من كنايات الخلع وصريحه، وقد فاوضت شيخنا العسكري، فلم يجبني فيها بشيء أعتمد عليه، وأحالني على ما صرح به في "الاختيارات" لأبي العباس، قال: والخلع بعوض فسخ بأي لفظ كان، ولو وقع بصريح الطلاق، وهذا هو المنقول عن ابن عباس وأصحابه، والإمام أحمد وقدماء أصحابه لم يفرقوا في الخلع بين لفظ ولفظ، لا لفظ الطلاق ولا غيره، بل ألفاظهم كلها صريحة في أنه فسخ بأي لفظ كان، وذكر السامري في "فروقه": إذا وهب زوجته لأهلها ونوى به الطلاق؛ طلقت، ولو باعها من أهلها أو غيرهم ونوى به الطلاق؛ لم تطلق بذلك، نص عليه. والفرق بينهما: أن هبته إياها لأهلها؛ كناية عن الطلاق، لأنه يقتضي زوال ملكه عنها بغير عوض، وذلك ينبني عن عدم حاجته فيها، وصار كقوله: لا حاجة لي فيك، أو رددتك على أهلك، وذلك كناية في الطلاق؛ وكذلك مسألتنا. وإنما اعتبر قبول أهلها؛ لأنه لما عدل عن قوله: الحقي بأهلك إلى قوله: وهبتك لأهلك، وعقد الهبة يقتضي القبول؛ كان تقديره. الحقي بأهلك إن قبلوك، وأنت طالق إن أحب أهلك؛ فيكون طلاقاً معلقاً، وليس كذلك بيعه إياها؛ لأن البيع غير الطلاق؛ لأنه لا يقتضي زوال الملك إلا بعوض، فلما عدل عن لفظ الهبة إلى لفظ البيع، مع علمه أن البيع لا يتصور فيها؛ لأن الذي يملكه منها، لا يصح بيعه، ولا حصول الثمن عنه؛ دل على أنه لم يرض بزوال ملكه عنها، فلذلك لم يكن كناية عن الطلاق، ولا هو صريح؛ فلم يقع به طلاق.
وفرق القاضي في "المجرد" بينهما: بأن الذي ملكه عليها منفعة، وبيع المنافع لا يصح، وهبتها تصح، وهذا يبطل بالإجارة، فإنها بيع منافع. فلو قيل: إن البيع ليس من كنايات الخلع ولا صريحه؛ فيكون لغواً كما صرح به السامري: فيما إذا تجرد عن العوض، ومسألتنا ليست