الْملك إيعاد بِالْخَيرِ وتصديق بالوعد وَالْحب الَّذِي يلقيه الشَّيْطَان إيعاد بِالشَّرِّ وَتَكْذيب بالوعد والطحين على قدر الْحبّ وَصَاحب الْحبّ المضر لَا يتَمَكَّن من إلقائه إِلَّا إِذا وجد الرَّحَى فارغة من الْحبّ النافع وقيمها قد أهملها وَأعْرض عَنْهَا فَحِينَئِذٍ يُبَادر إِلَى إِلْقَاء مَا مَعَه فِيهَا
وَبِالْجُمْلَةِ فقيم الرحا إِذا تخلى عَنْهَا وَعَن إصلاحها وإلقاء الْحبّ النافع فِيهَا وجد الْعَدو السَّبِيل إِلَى إفسادها وإرادتها بِمَا مَعَه وأصل صَلَاح هَذِه الرَّحَى بالاشتغال بِمَا يَعْنِيك وفسادها كُله فِي الِاشْتِغَال بِمَا لَا يَعْنِيك وَمَا أحسن مَا قَالَ بعض الْعُقَلَاء لما وجدت أَنْوَاع الذَّخَائِر مَنْصُوبَة غَرضا للمتألف وَرَأَيْت الزَّوَال حَاكما عَلَيْهَا مدْركا لَهَا انصرفت عَن جَمِيعهَا إِلَى مَا لَا يُنَازع فِيهِ الحجا أَنه أَنْفَع الذَّخَائِر وَأفضل المكاسب وأربح المتاجر وَالله الْمُسْتَعَان
قَالَ شَقِيق بن إِبْرَاهِيم أغلق بَاب التَّوْفِيق عَن الْخلق من سِتَّة أَشْيَاء اشتغالهم بِالنعْمَةِ عَن شكرها ورغبتهم فِي الْعلم وتركهم الْعَمَل والمسارعة إِلَى الذَّنب وَتَأْخِير التَّوْبَة والاغترار بِصُحْبَة الصَّالِحين وَترك الِاقْتِدَاء بفعالهم وإدبار الدُّنْيَا عَنْهُم وهم يتبعونها وإقبال الْآخِرَة عَلَيْهِم وهم معرضون عَنْهَا قلت وأصل ذَلِك عدم الرَّغْبَة والرهبة وَأَصله ضعف الْيَقِين وَأَصله ضعف البصيرة وَأَصله مهانة النَّفس ودناءتها واستبدال الَّذِي هُوَ أدنى بِالَّذِي هُوَ خير وَإِلَّا فَلَو كَانَت النَّفس شريفة كَبِيرَة لم ترض بالدون فَأصل الْخَيْر كُله بِتَوْفِيق الله ومشيئته وَشرف النَّفس ونبلها وكبرها وأصل الشَّرّ خستها ودناءتها وصغرها قَالَ تَعَالَى قَدْ أَفْلح من زكاها وَقد خَابَ من دساها أَي أَفْلح من كبرها وكثرها ونماها بِطَاعَة الله وخاب من صغرها وحقرها بمعاصي الله فالنفوس الشَّرِيفَة لَا ترْضى من الْأَشْيَاء إِلَّا بِأَعْلَاهَا وأفضلها وأحمدها عَاقِبَة والنفوس الدنيئة تحوم حول الدناءات وَتَقَع عَلَيْهَا كَمَا يَقع الذُّبَاب على الأقذار فَالنَّفْس الشَّرِيفَة الْعلية لَا ترْضى بالظلم وَلَا بالفواحش وَلَا بِالسَّرقَةِ والخيانة لِأَنَّهَا أكبر من ذَلِك وأجلّ وَالنَّفس المهينة