الْفَوَاحِش وَالْحرَام أَو فِي خيالات وهمية لاحقيقة لَهَا وَإِمَّا فِي بَاطِل أَو فِيمَا لَا سَبِيل إِلَى إِدْرَاكه من أَنْوَاع مَا طوى عَنهُ علمه فيلقيه فِي تِلْكَ الخواطر الَّتِي لَا يبلغ مِنْهَا غَايَة وَلَا يقف مِنْهَا على نِهَايَة فَيجْعَل ذَلِك مجَال فكره ومسرح وهمه
وجماع إصْلَاح ذَلِك أَن تشغل فكرك فِي بَاب الْعُلُوم والتصورات بِمَعْرِِفَة مَا يلزمك التَّوْحِيد وحقوقه وَفِي الْمَوْت وَمَا بعده إِلَى الدُّخُول إِلَى الْجنَّة وَالنَّار وَفِي آفَات الْأَعْمَال وطرق التَّحَرُّز مِنْهَا وَفِي بَاب الإرادات والعزوم أَن تشغل نَفسك بِإِرَادَة مَا ينفعك إِرَادَته وَطرح إِرَادَة مَا يَضرك إِرَادَته وَعند العارفين أَن تمني الْخِيَانَة وإشغال الْفِكر وَالْقلب بهَا أضرّ على الْقلب من نفس الْخِيَانَة وَلَا سِيمَا إِذا فرغ قلبه مِنْهَا بعد مباشرتها فَإِن تمنيها يشغل الْقلب بهَا ويملؤه مِنْهَا ويجعلها همه وَمرَاده وَأَنت تَجِد فِي الشَّاهِد أَن الْملك من الْبشر إِذا كَانَ فِي بعض حَاشِيَته وخدمه من هُوَ متمن لخيانته مَشْغُول الْقلب والفكر بهَا ممتلىء مِنْهَا وَهُوَ مَعَ ذَلِك فِي خدمته وَقَضَاء أشغاله فَإِذا اطّلع على سره وَقصد مقته غَايَة المقت وأبغضه وقابله بِمَا يستحقّه وَكَانَ أبْغض إِلَيْهِ من رجل بعيد عَنهُ جنى بعض الْجِنَايَات وَقَلبه وسره مَعَ الْملك غير منطو على تمنّي الْخِيَانَة ومحبتها والحرص عَلَيْهَا فالأوّل يَتْرُكهَا عَجزا واشتغالا بِمَا هُوَ فِيهِ وَقَلبه ممتلىء بهَا وَالثَّانِي يَفْعَلهَا وَقَلبه كَارِه لَهَا لَيْسَ فِيهِ إِضْمَار الْخِيَانَة وَلَا الْإِصْرَار عَلَيْهَا فَهَذَا أحسن حَالا وَأسلم عَاقِبَة من الأول
وَبِالْجُمْلَةِ فالقلب لَا يَخْلُو من الْفِكر وَأما فِي وَاجِب آخرته ومصالحها وَإِمَّا فِي مصَالح دُنْيَاهُ ومعاشه وَإِمَّا فِي الوساوس والأماني الْبَاطِلَة والمقدرات الْمَفْرُوضَة وَقد تقدم أَن النَّفس مثلهَا كَمثل رَحا تَدور بِمَا يلقى فِيهَا فَإِن ألقيت فِيهَا حبا دارت بِهِ وَإِن ألقيت فِيهَا زجاجا وحصا وبعرا دارت بِهِ وَالله سُبْحَانَهُ هُوَ قيم تِلْكَ الرحا ومالكها ومصرّفها وَقد أَقَامَ لَهَا ملكا يلقِي فِيهَا مَا ينفعها فتدور بِهِ شَيْطَانا يلقِي فِيهَا مَا يَضرهَا فتدور بِهِ فالملك يلم بهَا مرّة والشيطان يلم بهَا مرّة فالحب الَّذِي يَقِيه