وَذكر الإِمَام أَحْمد عَن عون بن عبد الله أَو غَيره أَنه سمع رجلا يَدْعُو الْهم لَا تؤمني مكرك فَأنْكر ذَلِك وَقَالَ قل اللَّهُمَّ لَا تجعلني مِمَّن يَأْمَن مكرك وبنوا ذَلِك على أصلهم الْبَاطِل وَهُوَ إِنْكَار الْحِكْمَة وَالتَّعْلِيل والأسباب وَأَن الله لَا يفعل لحكمة وَلَا سَبَب وَإِنَّمَا يفعل بِمَشِيئَة مُجَرّدَة من الحكم وَالتَّعْلِيل وَالسَّبَب فَلَا يفعل لشَيْء وَلَا بِشَيْء وَأَنه لَا يجوز عَلَيْهِ أَن يعذب أهل طَاعَته أَشد الْعَذَاب وينعّم أعداءه وَأهل مَعْصِيَته بجزيل الثَّوَاب وَأَن الْأَمريْنِ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ سَوَاء وَلَا يعلم امْتنَاع ذَلِك إِلَّا بِخَبَر من الصَّادِق أَنه لَا يَفْعَله فَحِينَئِذٍ يعلم امْتِنَاعه لوُقُوع الْخَبَر بِأَنَّهُ لَا يكون لَا لِأَنَّهُ فِي نَفسه بَاطِل وظلم فَإِن الظُّلم فِي نَفسه مُسْتَحِيل فَإِنَّهُ غير مُمكن بل هُوَ بِمَنْزِلَة جعل الْجِسْم الْوَاحِد فِي مكانين فِي آن وَاحِد وَالْجمع بَين اللَّيْل وَالنَّهَار فِي سَاعَة وَاحِدَة وَجعل الشَّيْء مَوْجُودا ومعدوما مَعًا فِي آن وَاحِد فَهَذَا حَقِيقَة الظُّلم عِنْدهم فَإِذا رَجَعَ الْعَامِل إِلَى نَفسه قَالَ من لَا يسْتَقرّ لَهُ أَمر وَلَا يُؤمن لَهُ مكر كَيفَ يوثق بالتقرّب إِلَيْهِ وَكَيف يعول على طاعنه واتّباع أوامره وَلَيْسَ لنا سوى هَذِه الْمدَّة الْيَسِيرَة فَإِذا هجرنا فِيهَا اللَّذَّات وَتَركنَا الشَّهَوَات وتكلفتا أثقال الْعِبَادَات وَكُنَّا مَعَ ذَلِك على غير ثِقَة مِنْهُ أَن يقلب علينا الْإِيمَان كفرا والتوحيد شركا وَالطَّاعَة مَعْصِيّة وَالْبر فجورا ويديم علينا الْعُقُوبَات كُنَّا خاسرين فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة فَإِذا استحكم هَذَا الِاعْتِقَاد فِي قُلُوبهم وتخمّر فِي نُفُوسهم صَارُوا إِذا أمروا بالطاعات وهجر اللَّذَّات بِمَنْزِلَة إِنْسَان جعل يَقُول لوَلَده معلمك إِن كتبت وأحسنت وتأدبت وَلم تعصه رُبمَا أَقَامَ لَك حجَّة وعاقبك وَإِن كسلت وَبَطلَت وتعطلت وَتركت مَا أَمرك بِهِ رُبمَا قربك وأكرمك فيودع بِهَذَا القَوْل قلب الصَّبِي مَا لَا يَثِق بعده إِلَى وَعِيد الْمعلم على الْإِسَاءَة وَلَا وعده على الْإِحْسَان وَإِن كبر الصَّبِي وَصلح للمعاملات والمناصب قَالَ لَهُ هَذَا سُلْطَان بلدنا يَأْخُذ اللص من الْحَبْس فَيَجْعَلهُ وزيرا أَمِيرا وَيَأْخُذ الكيّس المحسن لشغله فيخلّده الْحَبْس ويقتله ويصلبه فَإِذا قَالَ لَهُ ذَلِك أَو حشه سُلْطَانه وَجعله على غير ثِقَة من وعده ووعيده وأزال محبته من قلبه وَجعله يخافه مَخَافَة الظَّالِم الَّذِي يَأْخُذ المحسن بالعقوبة