فَيفْسد عَلَيْهَا أَعمالهَا كَمَا أفسد على اللِّسَان أَقْوَاله فَيعم الْكَذِب أَقْوَاله وأعماله وأحواله فيستحكم عَلَيْهِ الْفساد ويترامى داؤه إِلَى الهلكة إِن لم تُدْرِكهُ الله بدواء الصدْق يقْلع تِلْكَ من أَصْلهَا وَلِهَذَا كَانَ أصل أَعمال الْقُلُوب كلهَا الصدْق وأضدادها من الرِّيَاء وَالْعجب وَالْكبر وَالْفَخْر وَالْخُيَلَاء والبطر والأشر وَالْعجز والكسل والجبن والمهانة وَغَيرهَا أَصْلهَا الْكَذِب فَكل عمل صَالح ظَاهر أَو بَاطِن فمنشؤه الصدْق وكل عمل فَاسد ظَاهر أَو بَاطِن فمنشؤه الْكَذِب وَالله تَعَالَى يُعَاقب الْكذَّاب بِأَن ويقعده ويثبطه عَن مَصَالِحه ومنافعه ويثيب الصَّادِق بِأَن يوفقه للْقِيَام بمصالح دُنْيَاهُ وآخرته فَمَا استجلبت مصَالح الدُّنْيَا وَالْآخِرَة بِمثل الصدْق وَلَا مفاسدها ومضارهما بِمثل الْكَذِب قَالَ تَعَالَى يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقين وَقَالَ تَعَالَى هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقين صدقهم {وَقَالَ} فَإِذَا عَزَمَ الْأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْراً لَهُم {وَقَالَ} وَجَاءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ وَقَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ
وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ
فِي هَذِه الْآيَة عدَّة حكم وأسرار ومصالح للْعَبد فَإِن العَبْد إِذا علم أَن الْمَكْرُوه قد يَأْتِي بالمحبوب والمحبوب قد يَأْتِي بالمكروه لم يَأْمَن أَن توافيه الْمضرَّة من جَانب المسرّة وَلم ييأس أَن تَأتيه المسرة من جَانب الْمضرَّة لعدم علمه بالعواقب فَإِن الله يعلم مِنْهَا مَالا يُعلمهُ العَبْد وَأوجب لَهُ ذَلِك أمورا مِنْهَا أَنه لَا أَنْفَع لَهُ من امْتِثَال الْأَمر وَإِن شقّ عَلَيْهِ فِي الِابْتِدَاء لِأَن عواقبه كلهَا خيرات ومسرات ولذات وأفراح وَإِن كرهته نَفسه فَهُوَ خير لَهَا وأنفع وَكَذَلِكَ لَا شَيْء أضرّ عَلَيْهِ من