وَالْعَذَاب وتوابعها من صفة الْمَنْع وَهُوَ سُبْحَانَهُ يصرف خلقه بَين عطائه وَمنعه وَذَلِكَ كُله صادر عَن حِكْمَة بَالِغَة وَملك تَامّ وَحمد تَامّ فَلَا إِلَه إِلَّا الله
تشبثت بهَا هَذَا الْعَالم السفلي وَقد تشبثت بِهِ فَكلهَا إِلَيْهِ فَإِنَّهُ اللَّائِق بهَا لفساد تركيبها وَلَا تنقش عَلَيْهَا ذَلِك فَإِنَّهُ سريع الانحلال عَنْهَا وَيبقى تشبثها بِهِ مَعَ انْقِطَاعه عَنْهَا عذَابا عَلَيْهَا بِحَسب ذَلِك التعلّق فَتبقى شهوتها وإرادتها فِيهَا وَقد حيل بَينهَا وَبَين مَا تشْتَهي على وَجه يئست مَعَه من حُصُول شهوتها ولذتها فَلَو تصوّر الْعَاقِل مَا فِي ذَلِك من الْأَلَم وَالْحَسْرَة لبادر إِلَى قطع هَذَا التَّعَلُّق كَمَا يُبَادر إِلَى حسم مواد الْفساد وَمَعَ هَذَا فَإِنَّهُ ينَال نصِيبه من ذَلِك وَقَلبه وهمه مُتَعَلق بالمطلب الْأَعْلَى وَالله الْمُسْتَعَان
عَلَيْك تصورها وَتَعْلِيمهَا للنَّاس فَإِن الْكَاذِب يصور الْمَعْدُوم مَوْجُودا وَالْمَوْجُود مَعْدُوما وَالْحق بَاطِلا وَالْبَاطِل حَقًا وَالْخَيْر شرا وَالشَّر خيرا فَيفْسد عَلَيْهِ تصَوره وَعلمه عُقُوبَة لَهُ ثمَّ يصور ذَلِك فِي نفس الْمُخَاطب المغتر بِهِ الراكن إِلَيْهِ فَيفْسد عَلَيْهِ تصَوره وَعلمه وَنَفس الْكَاذِب معرضة عَن الْحَقِيقَة الْمَوْجُودَة نزاعة إِلَى الْعَدَم مُؤثرَة للباطل وَإِذا فَسدتْ عَلَيْهِ قُوَّة تصَوره وَعلمه الَّتِي هِيَ مبدأ كل فعل إرادي فَسدتْ عَلَيْهِ تِلْكَ الْأَفْعَال وسرى حكم الْكَذِب إِلَيْهَا فَصَارَ صدورها عَنهُ كصدور الْكَذِب عَن اللِّسَان فَلَا ينْتَفع بِلِسَانِهِ وَلَا بِأَعْمَالِهِ وَلِهَذَا كَانَ الْكَذِب أساس الْفُجُور كَمَا قَالَ النَّبِي إِن الْكَذِب يهدي إِلَى الْفُجُور وَإِن الْفُجُور يهدي إِلَى النَّار وَأول مَا يسري الْكَذِب من النَّفس إِلَى اللِّسَان فيفسده ثمَّ يسري إِلَى الْجَوَارِح