{كَانَ مُخْتَالاً فَخُوراً} ونظائره وَأخْبر فِي مَوضِع آخر أَنه يكرهها ويسخطها كَقَوْلِه {كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوها} وَقَوله {ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ الله}
إِذا عرف هَذَا فَفعل مَا يُحِبهُ سُبْحَانَهُ مَقْصُود بِالذَّاتِ وَلِهَذَا يقدر مَا يكرههُ ويسخطه لإفضائه إِلَى مَا يحب كَمَا قدر الْمعاصِي وَالْكفْر والفسوق لما ترَتّب على تقديرها مِمَّا يُحِبهُ من لوازمها من الْجِهَاد واتخاذ الشُّهَدَاء وَحُصُول التَّوْبَة من العَبْد والتضرّع إِلَيْهِ والاستكانة وَإِظْهَار عدله وعفوه وانتقامه وعزه وَحُصُول المولاة والمعاداة لأَجله وَغير ذَلِك من الْآثَار الَّتِي وجودهَا بِسَبَب تَقْدِيره مَا يكره أحب إِلَيْهِ من ارتفاعها بارتفاع أَسبَابهَا وَهُوَ سُبْحَانَهُ لَا يقدر مَا يحب لإفضائه إِلَى حُصُول مَا يكرههُ ويسخطه كَمَا يقدر مَا يكرههُ لإفضائه إِلَى مَا يُحِبهُ فَعلم أَن فعل مَا يُحِبهُ أحب إِلَيْهِ مِمَّا يكرههُ يُوضحهُ الْوَجْه الرَّابِع أَن فعل الْمَأْمُور مَقْصُود لذاته وَترك الْمنْهِي مَقْصُود لتكميل فعل الْمَأْمُور فَهُوَ مَنْهِيّ عَنهُ لأجل كَونه يخل بِفعل الْمَأْمُور أَو يُضعفهُ وينقصه كَمَا نبه سُبْحَانَهُ على ذَلِك فِي النَّهْي عَن الْخمر وَالْميسر بكونهما يصدان عَن ذكر الله وَعَن الصَّلَاة فالمنهيات قواطع وموانع صادة عَن فعل المأمورات أَو عَن كمالها فالنهي عَنْهَا من بَاب الْمَقْصُود لغيره وَالْأَمر بالواجبات من بَاب الْمَقْصُود لنَفسِهِ يُوضحهُ الْوَجْه الْخَامِس أَن فعل المأمورات من بَاب حفظ قُوَّة الْإِيمَان وبقائها وَترك المنهيات من بَاب الحمية عَمَّا يشوش قُوَّة الْإِيمَان ويخرجها عَن الِاعْتِدَال وَحفظ الْقُوَّة مقدم على الحمية فَإِن الْقُوَّة كلما قويت دفعت الْموَاد الْفَاسِدَة وَإِذا ضعفت غلبت الْموَاد الْفَاسِدَة فالحمية مُرَاد لغَيْرهَا وَهُوَ حفظ الْقُوَّة وزيادتها وبقاؤها وَلِهَذَا كلما قويت قُوَّة الْإِيمَان دفعت الْموَاد الرَّديئَة ومنعت من غلبتها وَكَثْرَتهَا بِحَسب الْقُوَّة وضعفها وَإِذا ضعفت غلبت الْموَاد الْفَاسِدَة فَتَأمل هَذَا الْوَجْه الْوَجْه السَّادِس أَن فعل المأمورات حَيَاة الْقلب وغذاؤه وزينته وسروره وقرة عينه ولذته ونعيمه وَترك المنهيات بِدُونِ ذَلِك لَا يحصل لَهُ شَيْئا من ذَلِك فَإِنَّهُ لَو ترك جَمِيع المنهيات وَلم