قَوْله {مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَن بِالْغَيْبِ} يتَضَمَّن الْإِقْرَار بِوُجُودِهِ وربوبيته وَقدرته وَعلمه واطلاعه على تفاصيل أَحْوَال العَبْد ويتضمن الْإِقْرَار بكتبه وَرُسُله وَأمره وَنَهْيه ويتضمن الْإِقْرَار بوعده ووعيده ولقائه فَلَا تصح خشيَة الرَّحْمَن بِالْغَيْبِ إِلَّا بعد هَذَا كُله الرَّابِعَة قَوْله {وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ} قَالَ ابْن عَبَّاس رَاجع عَن معاصي الله مقبل على طَاعَة الله وَحَقِيقَة الْإِنَابَة عكوف الْقلب على طَاعَة الله ومحبته والإقبال عَلَيْهِ ثمَّ ذكر سُبْحَانَهُ جَزَاء من قَامَت بِهِ هَذِه الْأَوْصَاف بقوله {ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُود لَهُم مَا يشاؤون فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ} ثمَّ خوَّفهم بِأَن يصيبهم من الْهَلَاك مَا أصَاب من قبلهم وَأَنَّهُمْ كَانُوا أَشد مِنْهُم بطشا وَلم يدْفع عَنْهُم الْهَلَاك شدّة بطشهم وَلَهُم عِنْد الْهَلَاك تقلّبوا وطافوا فِي الْبِلَاد وَهل يَجدونَ محيصا ومنجى من عَذَاب الله قَالَ قَتَادَة حَاص أَعدَاء الله فوجدوا أَمر الله لَهُم مدْركا وَقَالَ الزّجاج طوّفوا وفتشوا فَلم يرو محيصا من الْمَوْت وَحَقِيقَة ذَلِك أَنهم طلبُوا الْمَهْرَب من الْمَوْت فَلم يجدوه ثمَّ أخبر سُبْحَانَهُ أَن فِي هَذَا الذى ذكر ذكرى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ ثمَّ أخبر أَنه خلق السَّمَوَات وَالْأَرْض وَمَا بَينهمَا فِي ستّة أيّام وَلم يمسهُ من تَعب وَلَا إعياء تَكْذِيب لأعدائه من الْيَهُود حَيْثُ قَالُوا أَنه استراح فِي الْيَوْم السَّابِع ثمَّ أَمر نبيه بالتأسي بِهِ سُبْحَانَهُ فِي الصَّبْر على مَا يَقُول أعداؤه فِيهِ كَمَا أَنه سُبْحَانَهُ صَبر على قَول الْيَهُود أَنه استراح وَلَا أحد أَصْبِر على أَذَى يسمعهُ مِنْهُ ثمَّ أمره بِمَا يَسْتَعِين بِهِ على الصَّبْر وَهُوَ التَّسْبِيح بِحَمْد ربه قبل طُلُوع الشَّمْس وَقبل غُرُوبهَا وبالليل وأدبار السُّجُود فَقيل هُوَ الْوتر وَقيل الركعتان بعد الْمغرب وَالْأول قَول ابْن عَبَّاس وَالثَّانِي قَول عمر وَعلي وَأبي هُرَيْرَة وَالْحسن بن عَليّ وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَن ابْن عَبَّاس وَعَن ابْن عَبَّاس رِوَايَة ثَالِثَة أَنه التَّسْبِيح بِاللِّسَانِ أدبار الصَّلَاة المكتوبات ثمَّ ختم السُّورَة بِذكر الْمعَاد ونداء الْمُنَادِي بِرُجُوع الْأَرْوَاح إِلَى أجسادها للحشر وَأخْبر أَن هَذَا النداء من مَكَان قريب يسمعهُ كل أحد يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَق