"وليتق الله فيما يذره ويأتيه، ويحسن في اجتلاب القلوب واختلابها تأتيه، وإياه والتيه، حتى لا يقال: كأنه بعد لم يخرج من التيه.. وجماعة القرائين، فانصب لأمرهم من لم يتوله حيةن يتوله ... والجزية فيه لدمائكم وأولادكم عطية، وعلى دفاعها لا دافعها وصمة.. ومن قصد منها خلاصة، فقل له في الملأ ماذا خلاصه".

وواضح أنه ورى في التيه الثانية، فلم يرد بها الصفة، وإنما أشار بها إلى التيه الذي ضل فيه اليهود قديمًا مع موسى، واستمر فورى في توله الثانية كما ورى في كلمة خلاصه الثانية، وهي مركبة من "خلا" وكلمة "صه" بمعنى أسكت، وهذا كله كان يعتبر منتهى ما وصل إليه الفن، في عصر محيي الدين من مهارة وبراعة، وهي براعة لفظية على نحو ما نرى في هذه الأمثلة، وإذا تركت هذه التورية لم تجد إلا صورًا متكلفة، وجناسًا معكوسًا ولن تجد وراء ذلك إلا تكلفًا لمراعاة النظير، وتضمينًا للشعر وآي الذكر الحكيم، وإن سألت عن جديد، فلن تجد إلا التصنع لمصطلحات العلوم، وخاصة علم النحو، كقوله في رسالة لوزير بتقليد الوزارة في أثناء كلامه عما نيط به: "وإليه أمر قوانينها ودواوينها وكتابها وحسابها، وإليه التولية والصرف، وإلى تقدمه البدل، والنعت والتوكيد والعطف"1، ويقول في مطلع إحدى رسائله:

"نحمده على نعمه التي جنمعت إلى الزهر الثمر، وداركت بالبحر وباركت في النهر، وأجملت المبتدأ وأحسنت الخبر"2. وهناك رسالة ذكرها له القلقشندي، وقد بناها كلها على التصنع لاصطلاحات النحو، وهو يستهلها على هذا النمط3:

"حرس الله نعمة مولاي! ولا زال كليم السعد من اسمه، وفعله وحرف قلمه يأتلف، ومنادى جوده لا يرخم وأحمد عيشه لا ينصرف ... ولا عدمت نحاة الجود من نواله كل موزون ومعدود، ومن فضله وظله كل مقصود وممدود،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015