جمع سلامة لا جمع تكسير، ولا استقبال قبلة ممن لا تكون بحته في قلبه تقيم، واسمه في عمله إلى الله يسير".

وقد بدت هنا رغبة القاضي في التصنع لمصطلحات النحو، بأكثر مما بدت في رسالة فتح القدس، فهناك كان يتخفف، أما هنا فإنه يطيل في تصنعه لمصطلحات النحو، إطالة تجعل الإنسان يلاحظها، إذ نراه يذكر الواحد والمثنى ثم الجمع، ولا يكتفي بذلك، بل يقف ليذكر جمع السلام وجمع التكسير، وأكبر الظن أن فن القاضي الفاضل قد أتضح لنا الآن، فهو لا يعدو في عناصره الأساسية، ما سبق أن رأيناه عند ابن الشخباء، وهذا نفسه هو ما يجعلنا نؤمن بأن القاضي الفاضل، لم يأت بطريقة جديدة تخالف الطرق الموروثة، بل لقد كان يعيش -كغيره من أدباء عصره- في الإطار الفني العام لمذاهب المشرق، وكان يعجب خاصة بمذهب التصنع، وما وصل إليه ابن الشخباء مواطنه في استخدامه، فذهب يتعلق بطرائفه من مصطلحات العلوم، والمصطلحات الأخرى من التشخيص، ومراعاة النظير وألوان البديع من طباق وغيره، وتعلق بالجناس خاصة على سنة أصحاب التصنع، فاستخرد منه غرائب كثيرة، كقوله في إحدى رسائله1:

"الحمد لله الذي صدقه وعده، وأورثه الأرض وحده، وجدد علاه، وأعلى جده، وأسعد نجمه، وأنجم سعده، ووعده نجحه، وأنجح وعده، وأورده وصفه، وأصفى ورده".

وفي هذه القطعة ما يدل على مدى احتفال القاضي الفاضل باستخراج كل ما يمكن من أشكال الجناس الهندسية، ولعل القارئ يلاظ أنه تفد عليه الآن صور الجناس المعقدة، التي مرت بنا عند الحريري، والحصكفي خاصة، إذ كان يعجب بهذا الضرب من الجناس المقلوب، ونما هذا الذوق في الأقاليم المختلفة، وكان القاضي الفاضل داعيته في مصر، إذ كان ينحو بأسلوبه

طور بواسطة نورين ميديا © 2015