جملة نحو أصحاب التصنع، وليس معنى ذلك أن أسلوبه كان ضعيفًا، أو رديئًا فقد كان لديه من البراعة الفنية، ما جعله ينهض بصعوبات التصنع دون أن يستشعر الإنسان ما فيها من أثقال، ولكنا لا نستمر بعده، حتى نحس أنها أصبحت أثقالًا غليظة، وقد ذكرنا أنه عني في كتابته بالتورية، وساق صاحب خزانة الأدب من أمثلتها قوله1:

"في يوم شديد المطر والبرد، والخادم في رأس جبل يتلقى الرحمة غضة قبل أن يبتذلها الناس، ويصافح الرياح عاصفة قبل أن تقتسهما الأنفاس"، ويتلقى الرعد بالرعدة، وإذا السماء انشقت استصحاها المملوك بالسجدة".

فقد ورى تورية واضحة في كلمتي "وإذا السماء انشقت" و"السجدة"، ولكن يظهر أن القاضي لم يكن يكثير من ذلك في رسائله، ونحن لا نستيطع أن نزعم بأن هذا العمل مذهب جديد للقاضي الفاضل، فهو ليس أكثر من لون من ألوان البديع، وجده مستخدمًا قبله عند الشعراء الفاطميين، فأدخله في نثره، ومن يدري؟ ربما سبق بمن استخدمه قبله من الكتاب في العصر الفاطمي نفسه. ومهما يكن فإن القاضي الفاضل، كان أبلغ كتاب العصر الأيوبي، وقد ظلت المصطلحات، التي يستخدمها في فنه أساسية عند جميع الكتاب المصريين من بعده، حتى ليقول النويري: إن كل فاضل بعد الفاضل فضلة"2، ولم يكن هذا إحساس النويري وحده، بل كان إحساس جميع الكتاب بعده، فقد اتخذوا آثاره مثلهم الأعلى الذي يتحذونه ويقلدونه، ومن أجل ذلك كنا لا نخطئ إذا قلنا: إن العصور التي تلته في مصر، كان أصحابها يصوغون دائمًا على مثاله، وينسجون على منواله.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015