دار فهي الدار التي أسسها نور الدين بدمشق1، نستمر حتى نلتقي بالملك الصالح، نجم الدين أيوب فنراه يبني المدرسة الصالحية، وكانت تدرس فيها المذاهب الأربعة2، وما من ريب أن في ذلك كله يدل عن أن الأيوبيين بعثوا في مصر اهتمامًا واسعًا بالدراسات الدينية.

وإذ تركنا الدرسات الدينية إلى الكتابة الأدبية، وجدنا الأيوبيين يجنون في عصرهم ثمار النهضة الفنية، التي رأيناها في العصر الفاطمي، وقد ظفروا فيما ظفروا من هذه الثمار بالقاضي الفاضل، أحد كتاب دواوين العصر الفاطمي، وقربه منه صلاح الدين، واتخذه وزيره وكاتبه، وكنا أبلغ كتاب عصره، فدفع الصعر الأيوبي كله من ورائه في دوائر نماذجه، وما أتاحه لهذه النماذج من صفات أدبيه، وأعانته في ذلك شخصية كبيرة أتت من المشرق، هي شخصية عماد الدين الأصبهاني، الذي نشأ بأصبهان، ثم قدم بغداد وتخرج في المدرسة النظامية، ولما تخرج فيها خدم الوزير، يحيى بن هبيرة ببغداد، ثم انتقل إلى دمشق وسلطانها يومئذ نور الدين، فألحقه بديوان الإنشاء، وتعرف أثناء ذلك بصلاح الدين، وقامت بينهما مودة وثيقة، ولما أنشأ نور الدين المدرسة النورية في دمشق أسندها إليه، واستمر في هذا العمل حتى توفي نور الدين، فانتقل إلى صلاح الدين وتعلق به، ومدحه كثيرًا كما مدح القاضي الفاضل، رجاء أن ينظمه في سلك سلطانه، وعمل القاضي الفاضل على ذلك، فقربه من صلاح الدين، وأصبح الكاتب الثاني في الدولة الصلاحية بعد القاضي الفاضل، وكان العماد أديبًا كبيرًا، وله ديوان شعر ورسائل كثيرة، كما أن له الكتاب المشهور: "الفيح القسي في الفتح القدسي"، يصف فيه فتح بيت المقدس على يد صلاح الدين، وأيضًا له الخريدة، وهو ينهج في كتاباته نهج أصحاب التصنع في عصره، وقد كان القاضي الفاضل يذهب غالبًا هذا المذهب مستنا في ذلك بكتاب العصر الفاطمي، وعلى رأسهم ابن الشخباء، فتآلف الكاتبان فنيًا كما تآلفا اجتماعيًا، ولعل مما يثبت عناية بالتصنيع ما يروى من أن

طور بواسطة نورين ميديا © 2015