شديدة، يقول القاضي ابن شداد في سيرته: "كان مبغضًا لكتب الفلاسفة أرباب المنطق ومن يعاند الشريعة، ولما بلغه عن السهروردي ما بلغه أمر ولده الملك الظاهر بقتله"1، وأكبر الظن أن لصلاح الدين يدًا في ضعف الحركة الفلسفية بمصر منذ عصره، فقد تبعه العلماء يعنون بالدراسات الدينية، والتاريخية واللغوية، مهملين للدرسات الفلسفية، واستمر ذلك طوال العصر الأيوبي وعصر المماليك أيضًا، يقول بهاء الدين السبكي، وهو من علماء عصر المماليك: "إن أهل مصر صرفوا همهم إلى علوم اللغة، والنحو والفقه، والحديث وتفسير القرآن بخلاف أهل المشرق، الذين استوفوا هممهم الشامخة في تحصيل العلوم العقيلة والمنطق"2، ومعنى ذلك أن مصر استمرت مطبوعة بالطابع، الذي كان أراده لها صلاح الدين، حتى عصر المماليك وبعد عصرهم أيضا، وكأنما إعجاب المصريين بصلاح الدين، وحروبه الصليبية جعلهم يقتدون بسيرته في حياته العقلية.

ومن يرجع إلى سيرة مدلوك الدولة الأيوبية بعد صلاح الدين، يجدهم يهتمون اهتمامًا بالغًا بالدراسات السنية، وخاصة دراسة الحديث، ومما يروى بصدد ذلك أن ابنه العزيز الذي خلفه على مصر، سمع الحديث من الحافظ السلفي، والفقيه أبي طاهر بن عوف الزهري، وأبي محمد بن بري النحوي وغيرهم3، وكان عمه العادل الذي ولي مصر بعده معنيًا بأرباب السنة، صنف له فخر لدين الرازي كتاب تأسيس التقديس، وذكر اسمه في خطبته، وسيره إليه من بلاد خراسان4، وكان الكامل ابنه يحب العلماء، والأماثل ويلقي عليهم المشكلات5، وكان محبًا للحديث وأهله، حريصًا على حفظه ونقله، وللعلم عنده شرف، خرج له أبو القاسم بن الصفراوي أربعين حديثًا، وسمعها جماعة ويقولون: إن ابن بري وغيره أجازوا له رواية الحديث6، وقد بنى مدرسة عرفت باسم دار الحديث الكاملية، وهي ثاني دارع عملت للحديث، أما أول

طور بواسطة نورين ميديا © 2015