الكتاب الثالث: المذاهب الفنية في الأندلس ومصر
1- الأندلس:
تقع الأندلس في الطرف الجنوبي الغربي من أوربًا، وهي تؤلف شبه جزيرة كبيرة تفصلها عن بلاد الغال، في الشمال سلسلة جبال البرانس، كما يفصلها عن أفريقيا في الجنوب زقاق ضيق هو مضيق جبل طارق، بينما يقع في غربيها هذا المحيط الواسع، الذي كان في العصور القديمة والوسطى يشبه صحراء مائية لا نهاية لها، ونقصد المحيط الأطلسي، الذي سماه العرب باسم بحر الظلمات، أما في شرقيها، فيقع بحر الروم الذي كان صلتها بالمدنيات الفينيقية، واليونانية والرومانية ثم العربية، وقد سكن الأندلس -أول الأمر- أقوام من البسك والسلت والجلالقة، وأتى عليها حين من الدهر، وهي منعزلة عن الحضارات القديمة، ولكن سرعان ما أتاها قبس من هذه الحضارات، عن طريق الفينيقيين، واليونانيين الذين استعمروا بعض جهاتها، ولما نشب الصراع بين روما وقرطاجنة الفينيقية، وانتصرت الأولى على الأخيرة استولت على ممتلكاتها، وضمت الأندلس -فيما ضمت- بين جناحيها وسمتها إسبانيا اسمها المعروف الآن، ومنذ ذلك الوقت أصبحت إسبانيا ولاية رومانية، ونشرت روما بها المسيحية، كما نشرت بها لغتها اللاتينية، وكان ذلك سبببًا في أن ساهمت الأندلس -من بعض الوجوه- في التراث اللاتيني، القديم، غير أن موجات القبائل الجرمانية لم تلبث أن اندفعت إلى الأندلس، إذ أغار عليها قبائل القندال، وأسسوا بها دولة أقاموها على نهر الوادي الكبير سموها باسم دولة القندال، ومن اسم هذه الدولة اشتقت كلمة القندالس، التي حورها العرب إلى كملة أندلس، وأطلقوها على تلك البلاد