السياسي الفارسي المشهور أنو شروان بن خالد1، الذي كان وزيرًا تحت إمرة الخليفة المسترشد بالله، والسلطان مسعود السلجوقي2، ورأى ابن خلكان على نسخة من المقامات، كتبها الحريري نفسه أنه صنفها لوزير آخر للمسترشد يسمى ابن صدقة3، فشك في الرواية الأولى، التي تذهب إلى أن أنوشروان بن خالد هو الذي أشار عليه بها، ولكن من يدري؟ ربما كانت المسألة لا تزيد على أن الحريري كتب نسخة، وأهداها إلى ابن صدقة! ويقال: إن الحريري كتب خطه على سبعمائة نسخة من مقاماته قرئت عليه4، وأكبر الظن أن اهتمامه بها على هذا النحو، هو الذي حال بينها وبين البتر والحذف، والتغيير، ولذلك كانت مقاماته من هذه الوجهة، أتم وأطرف من مقامات البديع التي تبدو مبتورة في كثيرة من الأحيان.
ولعل أهم جانب تفترق به مقامات الحريري من مقامات بديع الزمان، هو أنها كتبت في ظلال مذهب التصنع وعقده، بينما كتبت مقامات البديع في ظلال مذهب التصنيع وزخرفه، وليس معن ذلك أن الحريري لم يبن مقاماته على السجع، ولا على وشي البديع، بل لقد بناها على أساس هذه المواد، ولكنه أخرجها في صورة جديدة هي صورة مذهب التصنع، وما يمتاز به من تصعيب الأداء، إما بجلب أشياء غريبة عن دوائر الفن من حيث هو، وإما بتعقيد ما يندمج في هذه الدوائر من جناس، وغير جناس، وإما باستحداث طرق جديدة كالطريقة التي قابلتنا في رسائله، إذ وجدناه يبني بعضها على حرف واحد، ومن يرجع إلى مقدمة مقامات الحريري يجده يقول فيها: إنها تحتوي على "ما وشحتها به من الآيات، ومحاسن الكنايات، ورصعته فيها من الأمثال العربية، واللطائف الأدبية، والأحاجي النحوية، والفتاوى اللغوية، والرسائل المبتكرة، والخطب المحبرة"5. وهذا نفسه الذي يجعلنا نقول: إن الحريري عقد أسلوب الكتابة