معان أخلاقية في مقاماته؟ إن من يقرأها قلما يرى شيئًا من ذلك، إلا في المقامة الدمشقية والمقامة الساوية، ويظهر أنه كان مشغولًا عن هذه المعاني بتدبيج أساليبه، وتحبيرها.
وتبلغ عدة مقاماته خمسين، وهي كمقامات البديع، كلها حكايات درامية تفيض بالحركة التمثيلية، وإن كان الحريري لم يقصد بها إلى القصص من حيث هو، وإنما قصد بها إلى تعليم الناشئة الأساليب الأدبية، وقد بناها على الرواية إذ يروي الحارث بن همام أحاديثها، ويقول ابن خكان: إنه عنى بهذا الحارث نفسه أخذًا
من قوله صلى الله عليه وسلم: "كلكم حارث وكلكم همام"، والحارث: الكاسب، والهمام: كثير الاهتمام1، أما الأديب المتسول الذي تروى عنه المقامات، والذي يقابل عند الحريري أبا الفتح الإسكندري عند بديع الزمان، فهو أبو زيد السروجي، وهو من أهل الكدية الذين احترفوا التسول متخذين وسيلتهم إلى ذلك الحلب بصوغ اللسان، وسحر البيان، وصور الحريري في المقامة الساسانية دواعي هذا التسول، ودوافعه، ويزعم ياقوت2 وكذلك ابن خلكان3 أن شخصيتة أبي زيد شخصية حقيقة، ولكن الباحثين المحدثين يتهمون ذلك ويردونه4؛ لأنه لا مبرر له، وما أبو زيد إلا كأبي الفتح الإسكندري صاحب بديع الزمان، بل كأي بطل لقصة أخرى، ليس من الضروري أن يكونوا معبرًا عن حقيقة خلفه.
والمعروف أن الحريري استهل كتابة مقاماته بالمقامة الثامنة والأربعين، وهي المسماة باسم المقامة الحرامية، ثم أخذ في كتابة بقية المقامات5، وقد بدأ في هذا العمل عام 495هـ، انتهى منه عام 504هـ6، وأقر في مقدمتها بأن الذي أشار عليه بكتابتها شخص "إشارته حكم، وطاعته غنم"7، وهو