أقسم بالله وآياته ... ومشعر الحج وميقاته
إن الحريري حري بأن ... نكتب بالتبر مقاماته
أما ياقوت، فيقول: إن الحريري "أبر بكتاب المقامات على الأوائل، وأعجز الأواخر"1، ويقول أيضًا: لقد وافق كتاب المقامات "للحريري" من السعد ما لم يوافق مثله كتاب؛ فإنه جمع بين حقيقة الجودة والبلاغة، واتسعت له الألفاظ وانقادت له البراعة ... حتى لو ادعى بها الإعجاز لما وجد من يدفع في صدره، ولا من يرد قوله ولا يأتي بما يقاربها فضلًا عن أن يأتي بمثلها، وقد رزقت -مع ذلك- من الشهرة وبعد الصيت، والاتفاق على استحسانها من الموافق والمخالف ما استحقت وأكثر "2، ويقول ابن خلكان: إن الحريري "رزق الحظوة التامة بعمل المقامات"3، وبينما يشيد هؤلاء بعمل الحريري في مقاماته نجد آخرين يحطون من هذا العمل، وعلى رأسهم ابن الطقطقي؛ إذ زعم أن المقامات البديعية، والحريرية تصغر الهمة؛ لأنها بنيت على السؤال والاستجداء والتحيل القبيح4، والطريف أن الحريري أشار في مقدمة مقاماته إلى أن سيغض منها بعض الناس، إذ يقول: "إني وإن أغمض لي الفطن المتغابي، ونصح عني المحب المحابي، لا أكاد أخلص من غمر جاهل، أو ذي غمر "حقد" متجاهل، يضع معنى لهذا الوضع، ويندد بأنه من مناهي الشرع، ومن نقد الأشياء بعين المعقول، وأنعم النظر في مباني الأصول، نظم هذه المقامات، في سلك الإفادات، وسلكها مسلك الموضوعات، عن العجماوات والجمادات، ولم يسمع بمن نبا سمعه عن تلك الحكايات"5، واوضح أن الحريري يحتج على صواب عمله بكتاب كليلة ودمنة، وأمثاله من القصص التي بنيت على الحيوان، فإن أحدًا لم يذمها لما فيها من حكم وآداب، ولكن هل يفهم من ذلك أنه قصد إلى بث