تدارس الألسن سلافة خندريسه، في سلسال كئوسه، ومحاسن مجلس مسرته، وإحسان سمعة سيادته، فاستسلفت الاستدعاء، وتوسمت السراء، وسوفت نفسي بالاحتساء، ومؤانسة الجلساء، وجلست أستقري السبل، وأستطلع الرسل، وأستبعد تناسي اسمي، وأسامر الوساوس لاستحالة رسمي1 ... وحسبنا السلام وسلامه على رسول الإسلام".
أرأيت إلى هذه المقدرة الجديدة عند الحريري؟ لقد حكاها العماد في شيء من الدهشة، والإعجاب وحق له فقد كان ذلك ذوق عصره، بل لقد كان ذوق الكتاب منذ أبي العلاء، فهم يبحثون عن كل صعوبة في الأداء يجتذبونها إلى آثارهم، ونماذجهم كي يدلوا على مهارتهم وبلاغتهم، ولكن أي مهارة، وبلاغة هذه؟ لقد أصبحت النماذج الأدبية أشبه ما تكون بعمل عمال المطابع، إذ يرصون الكلمات بعضها بجانب بعض، فتتكون صناديق من الكلمات، ولكن لا يتكون شعور ولا إحساس، وأي إحساس وشعور في مثل هذه الرسالة، التي شغل فيها الحريري بأن يجمع ألفاظًا من ذوات السين، ويرصها على هذا النمط، فإذا بنا نقرأ سينيات، لا أفكارًا ولا شعورًا، وإنما كلمات بنيت بناء من حرف السين! وما من ريب في أنه كان يريد بذلك، أن يدل على مدى تفوقه على معاصريه في استخدام طرق مذهب التصنعه، وإنه ليبحث عن طرق جديدة، فإذا هو يهتدي بعد البحث إلى هذه الفكرة البديعة، وهي أن يؤلف رسالة سينية، وأخرى شينية ليثبت مقدرته وبراعته، وانظر إليه كيف يسوق رسالته الشينية، التي كتب بها إلى طلحة بن محمد النعماني الشاعر لما قصده في البصرة يمدحه، ويشكره، ويتأسف على فراقه2:
"شغفي بالشيخ شمس الشعراء ريش معاشه، وفشا رياشه3 وأشرق شهابه، واعشوشبت شعابه4، يشاكل شغف المنتشي بالنشوة، والمرتشي بالرشوة، والشادن