البحر، وتميمة النحر"1، ولكن لا تظن من وصف العماد أن الحريري كان من ذوق أصحاب التصنيع، فقد انتهى هعذا المذهب في المشرق، وانتهى أنصاره وحل محله مذهب جديد هو مذهب التصنع، وهو مذهب كان يعتمد على التلفيق، والتعقيد، وإحالة الزخرف القديم إلى أشكال هندسية جديدة، وقد تشبث أصحابه بزخرف الجناس، واستخرجوا منه كل ما يمكن من عبث، وعقد على صور مختلفة.
والحريري لم يكن يشذ على هذا المذهب الجديد، بل كان ينساق فيه، وفيما اقترحه أبو العلاء من تصعيب، وعرف القدماء ذلك، فقالوا: إنه يستعير منه بعض صوره2، ولكن ليس هذا هو الجانب المهم، فقد استعار منه كثيرًا من عقده التي بثها في أعماله وخاصة عقدة الجناس، إذ ذهب يستعين بها في تعقيد فنه تعقيدًا شديدًا، وإن من يرجع إلى ما اقتبسه العماد الأصبهاني في خريدته، وياقوت في معجمه من رسائله يجد ظاهرة التعقيد واضحة فيها، وقد رويا له جميعًا رسالتين غريبتين بنهاهما جميعًا على حرف واحد، أما الأولى فبناها على حرف السين، ولذلك سميت بالرسالة السينية، أما الثانية فبناها على حرف الشين، ولذلك سميت بالرسالة الشينية، وكتب الأولى على لسان بعض أصدقائه يعاب صديقًا له أخل به في دعوة دعا إليها، وهو يستهلها على هذا النمط3.
"باسم القدوس أستفتح، وبإسعاده أستنجح، سجية سيدنا سيف السلطان سدة سيدنا الإسفهسلار، السيد النفيس سيد الرؤساء حرست نفسه، واستنارت شمسه وبسق غرسه، واتسق أنسه، استمالة الجليس، ومساهمة الأنيس، ومواساة السحيق والنسيب، ومساعدة الكسير والسليب، والسيادة تستدعي استدامة السنن، والاستحفاظ بالرسم الحسن، وسمعت بالأمس