وعرف ما يقوله النحويون عن إن، وأنها تشبه الأفعال لبنائها من ثلاثة أحرف، ثم ما يقولونه في الصرف عن الإعلال والإبدال، وما يقولونه، عن وزن الأسماء وحروف الزيادة، وكأنما سدت أمامه جميع طرق التعبير، فهو يلجأ إلى هذه الأشياء يحاول أن يفتح بها الأبواب المنسدة، وأنها لتنفتح على هذه الكلف، التي لم يكن يعرفها النثر على هذا النحو قبل أبي العلاء، ولكن ما لأبي العلاء والكتاب من قبله؟ إنه يريد أن يتفوق عليهم، وهو يجد هذا التفوق في مثل هذه الصور، التي لم يكن يلجأ إليها الكتاب السباقون، لأنهم كانوا يفهمون الفن في كتابتهم بصورة أخرى، كانوا يفهمونه على أنه تنميق وزخرف، أما عند أبي العلاء، فقد تطور الزمن وأصبح الفن يفهم على أنه قبل كل شيء عقد وكلف، واستمع إليه يقول في فقرة أخرى1:
"ألتفت إلى ذنوبي فأجدها متتابعة كحركات الفاصلة الكبرى، واستقبل جرائم تترى، طوالًا كقصائد الكميت الأسدي، مختلفة النظم كقصيدتي عبيد وعدي، وأجدني ركيكًا في الدين، ركاكة أشعار المولدين سبقتهم الفصاحة، وسبقوا أهل الصنعة! وأعمالي في الخير قصار، كثلاثة أوزان رفضها المتجزلون في قديم الأزمان، ولا بد للوتد من حذ، والسبب من جذ2، ورب فرح، طوى طي المنسرح3، فارحمني رب إذ صرت في الحافرة، كالمتقارب وحيدًا في الدائرة، وهجرني العالم هجر النون العجمات"4.
أرأيت كيف ينجح أبو العلاء إلى علم العروض يستمد من مصطلحاته، ما يغرب به على الناس في نسيج فصوله وغاياته؟! ولا يكتفي بذلك، بل نراه