6- الصاحب بن عباد وتصنيعه:

هو كافي الكفاة إسماعيل بن عباد، ولد في إصطخر، وقيل في الطالقان بين قزوين وأبهر سنة 324 أو 326هـ، وكان أبوه كاتب ركن الدولة، وعضد الدولة البهويهيين، وكان شيعيًا غير غال، وتوفي في السنة التي توفي فيها ابنه.

وابن عباد هو الوزير الثاني الذي لمع اسمه في بلاط البويهيين، وقد درس على أبيه، وأخذ عنه مذهبه الديني والسياسي، وأخذ الأدب عن أحمد بن فارس اللغوي المعروف، وأكمل دراسته ببغداد، ولما عاد إلى وطنه في الري خدم في دواوين أبي الفضل بن العميد، ويظهر أنه أعجب به فقر به منه، وما لبث أن اختاره ليكون مربيًا لمؤيد الدولة، أخى عضد الدولة، وكانت إقامة مؤيد الدولة بأصبهان، فأقام معه فيها، ولقب بالصاحب لصحبته له صغيرًا.

ولما تقلد شئون الدولة بعد أخيه عضد الدولة، اتخذ الصاحب وزيرًا له، واستمر على وزارته حتى توفي، فوزر من بعده لأخيه فخر الدولة، وظل في الوزارة حتى وافته منيته عام 385 هـ، وقد قضى في الوزارة نحو ثمانية عشر عامًا1، ويقال: إن أباه ألف كتابًا نصر فيه الاعتزال، وكان محدثًا روى عنه ابنه وغيره2، ويظهر أن ابن عباد ورث هذه الجوانب في أبيه، فقد نشأ على الاعتزال3 كما نشأ على التشيع ومحبة العلم، ويقال: إنه خرج يومًا -وهو وزير- متطلسًا متحنكًا بزي أهل العلم لرواية الحديث وإملائه على الناس، وكما كان يولع بالحديث كان يولع باللغة، وقد ألف فيها كتاب المحيط في سبع مجلدت، وله كتاب الإمامة يذكر فيه فضائل علي بن أبي طالب، وأيضًا رسالة صغيرة في الكشف عن مساوئ المتنبي4.

وما من ريب في أنه لو لم يشغل بالوزارة، ولا الكتابة لكان علالمًا ممتازًا من علماء عصره، ولعله من أجل ذلك كان يشجع على التأليف، كما كان يؤشجع على الشعر، وكان يعجب بالكتابة الرفيعة، ومدحه مكاتبة الشريف الرضي، وأبو إسحاق الصابي، "واحتف به من بحوم الأرض، وأفراد العصر وأبناء الفضل، وفرسان الشعر من يربى عددهم على شعراء الرشيد، ولا يقصرون عنهم في الأخذ برقاب القواف، وملك رق المعاني"5، وحدث ابن بابك، قال: "سمعت الصاحب يقول: مدحت بمائة ألف قصيدة شعر، عربية وفارسية، وقد أنفقت أموالي على الشعراء والأدباء، والزوار والقصاد"6. وكان ينافسه في هذه الحركة -على ما يظهر- سابور بن أردشير وزير بهاء الدولة البويهي، الذي فتح الثعالبي في يتيمته فصلًا لمداحه من الشعراء، وقد أنشأ دارًا للعلم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015