من أحداث المعادلات، والموازنات بين ألفاظ العبارتين، حتى لا تخرج الأذن من ألفاظ العبارة الأولى، إلا وتحس براحة صوتية إزاء كل كلمة من كلمات العبارة الثانية؛ لأنها تماثل قرينة لها في العبارة السابقة من الوجهة الصوتية تمام التماثل.

وهذه هي صورة التصنيع في الكتابة الديوانية عند ابن العميد، فهو يعمد إلى زخرف البديع يوشي به لفظه، وهو دائمًا -كما تصوره يتيمة الثعالبي- يتخذ لفظًا مرصعًا بالسجع، وإنه ليحتال في تحسين سجعه، والإكثار من وشي بديعه حيلًا مختلفة، أما سجعه فكان يحتال عليه بالقصر، فإن كان طويلًا قصره بما مرن عليه من المعادلة بين ألفاظه، حتى لكأنها تتشابك تشابك توقيعات الراقصين، وأما بديعة فإنه كان يكثر منه، وكان ما يزال يحتال على اللفظة حتى يحملها وشي الطباق من جهة، ووشي التصوير، أو الجناس من جهة أخرى.

ومن أجل هذه الحيل كلها، وما اقترن بها من مهارة، وتفنن كان ابن العميد زعيم مذهب التصنيع في عصره غير مدافع، ولا منازع، ومع ذلك فسنقف عند الصاحب بن عباد تلميذه، وخريجه لنرى هل استطاع أن يضيف من جديد إلى تصنيع أستاذه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015