وهذا الوزير المثقف ثقافة واسعة يعد أستاذ عصره في فن التصنيع، وقد أقر له ببراعته وفصاحته، وامتيازه في كتابته كل من تصدوا لترجمته، يقول صاحب اليتيمة: "هو عين المشرق ولسان الجبل، وعماد ملك آل بويه، وصدر وزرائهم، وأوحد العصر في الكتابة، وجميع أدوات الرياسة، وآلات الوزارة، والضرب في الآداب بالسهام الفائزة، والأخذ من العلوم بالأطراف القوية، يدعى الجاحظ الأخير، والأستاذ والرئيس، ويضرب به المثل في البلاغة، وينتهى إليه في الإشارة بالفصاحة والبراعة، مع حسن الترسل، وجزالة الألفاظ وسلاستها، إلى براعة المعاني ونفاستها، وما أحسن وأصدق ما قال له الصاحب، وقد سأله عن بغداد عند منصرفه عنها: بغداد في البلاد كالأستاذ في العباد، وكان يقال: بدئت الكتابة بعبد الحميد، وختمت بابن العميد"1، وفي هذه الفقرة ما يدل دلالة واضحة على مدى ما وصل إليه ابن العميد في عصرها من مكانة أدبية ممتازة، وهي مكانة لم يأخذها عن طريق مركزه السياسي، وإنما أخذها عن طريق فنه الخالص إن كان ينحو بحوصا بديعًا من التصنيع، والزخرف في كتابه، وقد مر بنا في غير هذا الموضع أن الكتاب اصطلحوا منذ عصر المقتدر على أن يعمموا السجع في كل ما يكتبون، واستمر ذلك من بعدهم،