مسكويه: "أما المنطق وعلوم الفسلفة والإلهيات منها خاصة، فما جسر أحد في زمانه أن يدعيها بحضرته إلا أن يكون مستفيدًا، أو قاصدًا قصد التعلم".
ويروي مسكويه أن أبا الحسن العماري الفيلسوف الينسابوري قصد إليه، وقرأ عليه عدة كتب مستغلقة من كتب الفسلفة، وليس هذا كل ما ذكره مسكويه عن ثقافة ابن العميد، بل إنه يقول أيضًا: "كان ابن العميد يختص بغرائب من العلوم الغامضة، التي لا يدعها أحد كعلوم الحيل "الميكانيكا"، التي يحتاج فيها أواخر علوم الهندسة والطبيعة، والحركات الغريبة، وجر الثقيل، ومعرفة مركز الأثقال، وإخراج كثير مما امتنع على القدماء من القوة إلى الفعل"1.
وأكبر الظن أن هذا الاتساع في الثقافة الفلسفية، وما يتصل بها من علوم الطبيعة والهندسة، والحيل هي التي جعلت الرازي يتقدم إليه بتفسيره للمقالة العاشرة في أصول الهندسة من كتاب إقليدس بعد أن نسقها وجودها2، وأكبر الشعراء في ابن العميد هذا الجانب، كما أكبروا فيه بلاغته وفصاحته، وقد عبر عن ذلك المتنبي تعبيرًا بديعًا في قصيدته الرائية، والدالية، ومن قوله الأولى:
من مبلغ الأعراب أني بعدهم ... شاهدت رسطاليس والإسكندرا
وسمعت بطليموس دارس كتبه ... متملكًا مبتديًا، متحضرا
ولقيت كل الفاضلين كأنما ... رد الإله نفوسهم والأعصرا
ويقول في الثانية:
عربي لسانه، فلسفي رأيه، فارسية أعياده ... خلق الله أفصح الناس طرا في بلاد أعرابه أكراده
وهذا كله يؤكد أن ابن العميد أتاح لنفسه ثقافة واسعة، وكما عمل علي تثقيف نفسه عمل أيضًا كل ما يستطيع في خدمة ركن الدولة، ثم ابنه عضد الدولة، كان يقود الجيوش بنفسه، واستطاع بمقدرته أن ينشر نفوذ عضد الدولة على بغداد والعراق، وقد خرج في أواخر حياته على رأس جيش لقتال الزعيم الكردي حسنويه، ولكنه توفي في الطريق في صفر عام 360هـ3، وقد نيف عمره على ستين سنة"4.