السلطانية، وسرعان ما تقلد ديوان الرسائل للملك نوح بن نصر، ولقب الشيخ كالعادة فيمن يلي ذلك الديوان كما لقب بالعميد، ويقول أبو إسحاق الصابي في كتابه التاجي: إن رسائل العميد لا تقصر في البلاغة عن رسائل ابنه أبي الفضل ابن العميد1، ويظهر أن العميد لم يأخذ ابنه معه إلى بلاط السامانيين، بل تركه في رحال البوهيين، ويقول صاحب اليتيمة: "ولم يزل أبو الفضل في حياة أبيه، وبعد وفاته بالري وكور الحبل، وفارس يتدرج إلى المعالي، ويزداد على الأيام فضلًا، وبراعة حتى بلغ ما بلغ، واستقر في الذروة العليا من وزارة ركن الدولة ورياسة الجبل"2، وكان تقلده هذه الوزارة عام 328 هـ، وظل يتلقدها إلى وفاته عام 360هـ.
ولسنا نعرف شيئًا ذا قيمة عن أساتذة ابن العميد سوى ما عرفناه عن أبيه، ثم ما ذكره صاحب الفهرست، عن أستاذ له يسمى محمد بن علي بن سعيد المعروف باسم سمكة3، وقد سماه صاحب اليتيمة ابن سمكة4، ويقول صاحب الفهرست: إن له كتابًا في أخبار العباسيين5، على كل حال ليس بين أيدينا ما يدل دلالة واضحة على المنابع الثقافية، التي نهل منها ابن العميد، غير أننا لا نتابعه في آثاره، وفي حياته أثناء وزارته حتى نجده يلم بجميع ضروب الثقافة لعصره، ولعله من أجل ذلك سمي باسم الجاحظ الثاني6، وألمع مسكويه قيم دار كتبه في كتابه "تجارب الأمم" إلى ثقافته فقال:
إنه "أكتب أهل عصره وأجمعهم لآلات الكتابة حفظا للغة والغريب، وتوسعا في النحو والعروض، واهتداء إلى الاشتقاق والاستعارت، وحفظًا للدواوين من شعراء الجاهلية والإسلام، فأما القرآن وحفظ مشكله ومتشابهه، والمعرفة باختلاف فقهاء الأمصار، فكان منه في أرفع درجة وأعلى رتبة"، ويقول