وأصبهان التي أخرجت الصاحب بن عباد، والتي يقول فيها صاحب اليتيمة:
"لم تزل أصبهان مخصوصة من بين البلدان بإخرادج فضلاء الأدباء، وفحولة الكتاب والشعراء"1، كما نجد الري دار عضد الدولة البويهي، ومستقر ابن العميد.
وأخرجت خوارزم لهذا العصر أبا بكر الخورزمي الكاتب المشهور، كما أخرجت طبرستان قابوس بن وشمكير، ولعل من الطريف أن الثعالبي في اليتيمة لم يبن كلامه على أدباء هذه العصر حسب الإمارات، بل بناه حسب المدن والبلدان، على أن هذا لا يجعلنا ننسى ما كان من تشجيع الأمراء، والحكام للحركات الأدبية في هذه المراكز، وخاصة بني بويه، إذ كان كثير منهم أدباء، وقد فتح لهم الثعالبي في يتيمته فصولًا لاستعراض هذا الجانب فيهم2.
والحق أن أمراء الدول الإيرانية عامة شجعوا -بكل وسيلة تمكنهم- الأدباء والكتاب، ومن الظواهر المهمة التي اقترنت بهاذا العصر أننا نجد الأدباء ينتقلون من بلاط إلى بلاط يرفعون كتبهم، ومؤلفاتهم إلى الملوك والأمراء، على نحو ما لاحظ براون في كتابه "تاريخ الفرس الأدبي"، إذ ذكر في الثعالبي ألف كتاب "لطائف المعارف" للصاحب بن عباد "والمبهج" و"التمثل والمحاضرة" لشمس المعالي قابوس بن وشمكير، و"سحر البلاغة" و"فقه اللغة" للأمير أبي الفضل الميكالي، و"النهاية في الكناية" و"نثر النظم" و"اللطائف والظرائف" لمأمون بن مأمون أمير خوارزم3.
وهؤلاء الأمراء والملوك لم يكرموا فقط من كانوا يرحلون إليهم، بل كانوا يكرمون أيضًا أبناء أقاليمهم من فقهاء، وشعراء وأدباء، ولغويين وفلاسفة، ولذلك كنت تجد حول قصر طائفة من الشعراء والأدباء والعلماء، ولعل مما يدل على مدى حرص هؤلاء الأمراء على العلماء، والأدباء ما رواه براون عن السلطان محمود الغزنوي، من أنه علم أن في بلاط ملك خوارزم طائفة من العلماء، والفلاسفة مثل ابن سينا، والبيروني وأبي سهل المسيحي، وأبي الخير الحسن بن الخمار وأبي نصر بن العراق، فكتب إليه أن يبعثهم حتى يشرفوا بحضرته، ويفيد هو من ثقافتهم ومهارتهم،