ابن العميد عن الكتاب في عرك أديمي واستطلاحي، وردي إلى طاعة صاحبه"1.
وهذه القصة تدل على قيمة الكتب المحبرة في القرن الرابع، وأنها كانت تقوم مقام الجيوش في الظفر بالأعداء، ولذلك اهتم كل أمير بوزرائه وكتابه، واهتم الوزراء والكتاب أنفسهم بصناعة كتبهم وتحبيرها، وإدخال كل ما يمكن من ضروب التصنيع، والتجميل عليها، وقد كانت حياتهم تؤهل لذلك، إذ كانت تقوم على التصنيع والتنميق، يقول بعض الشعراء في هجاء كتاب الدولة السامانية2:
أكتاب ديوان الرسائل ما لكم ... تجملتم بل متم بالتجمل
وكذلك كان كتاب الدول البويهية يتأنقون ويتصنعون في حياتهم، وكان الصاحب بن عباد خاصة يعجب بالخز، ويأمر بالاستكثار منه على خدمه وغلمانه، فكانوا يبدون في الخزوز الفاخرة الملونة3، وغير كتاب السامانيين والبويهيين كانوا يتأنقون تأنقهم، ولا غرابة فهم يعيشون في قصور هؤلاء الحكام، والأمراء معيشة مترفة تقوم على التصنيع والتنميق، ولذلك كان طبيعيًا أن يسقط هذا الجانب الذي يتصل بحياتهم إلى أدبهم وفنهم، بحيث أصبح التصنيع أساسيًا في كل ما تنتجه هذه القصور، ومن يعيشون فيها من هؤلاء الكتاب والأدباء.
ومهما يكن، فإن الإمارات الفارسية هيأت لنهضة أدبية واسعة، وقد اقترنت هذه النهضة بمذهب التصنيع، ولعل من الطريف أن نذكر هنا أن كل إمارة من هذه الإمارات، اشتهرت بمراكز مختلفة للنهضة الأدبية، ففي الإمارة السامانية نجد نيسابور التي أخرجت الثعالبي، كما نجد بخارى العاصمة التي "كانت مثابة المجد، وكعبة الملك، ومجمع أفراد الزمان ومطلع نجوم أدباء الأرض، وموسم فضلاء العصر"4. وفي الإمارة البويهية نجد همذان التي أخرجت بديع الزمان،