سينا الذي خدم في بلاط السامانيين، والبيروني الذي خدم أولًا في بلاط ملوك خوارزم، ثم خدم في بلاط ملوك الدولة الغزنوية.
على أن الجانب العقلي لا يهمنا، إنما يهمنا الجانتب الأدبي، وما لقي الأدب حينئذ من تشجيع ورواج، والغريب أن الحياة الأدبية ازدهرت في هذا العصر ازدهارًا لم تعرف في أي عصر سابق، إذ كان كل حاكم في إمارة من هذه الإمارات السابقة، يختار في حاشيته جماعة من الأدباء الممتازين لينافس بهم حكام الإمارات، والدول الأخرى، وبذلك ظهر في كل مركز من مراكز هذه الإمارات حركة أدبية، أو قل سوقًا أدبية، وساعد على ذلك أن هؤلاء الحكام استوزروا كبار الأدباء في أقاليمهم، ومن ثَمَّ أصبحنا نسمع في كل إمارة باسم أديب بل باسم أدباء ممتازين يلون شئونها، ويشرفون على مرافقها، فعند السامانيين نجد العميد والد ابن العميد الكاتب المشهور، كما نجد الإسكافي الكاتب المعروف، ونجد أيضا أسرة بني ميكال النيسابورية، وقد ولي كثير منها دواوين السامانيين، وعند البويهيين نجد ابن العميد كما نجد الصاحب بن عباد، وهما أهم كتاب العصر، وفي الدولة الزيارية نجد أميرًا من أمرائها يشتهر بالكتابة، وهو قابوس بن وشمكير، ولم يقف هذا الامتياز للأدباء، وصلتهم بالحكام عند أصحاب الإمارات الكبيرة، فقد كان بعض حكام البلدان الصغيرة يتخذون كتابًا مشهورين، مثل البستي كاتب أمير مدينة بست في أفغاسنتان، ثم كاتب الدولة الغرنوية، وإن الإنسان ليخل إليه أم كل حاكم في مدينة، أو مقاطعة بإيران لم يعد يشغله إلا أن يجمع حوله بطانة من الكتاب تعيش في بلاطه، ويكفي للدلالة على اعتداد الحكام بالكتاب أن نجدهم في بغداد يستخدمون على ديوان الرسائل كاتبًا صابئًا ليس من المسلمين، هو أبو إسحاق الصابي لما عرف من بلاغته، ومهارته البيانية، وما يدل على ما كان للكتابة الجيدة في هذا العصر من شأن حتى في السياسة نفسها، ما رواه صاحب اليتيمة من أن ابن العميد "كتب رسالة إلى ابن بلكا عند استعصائه على ركن الدولة وخروجه عليه، فلما قرأه ابن بلكا رجع وأناب، وقال: لقد ناب كتاب