وقد يكون من الطريف أن نلاحظ أن أهم الكتاب، الذين نموا السجع في القرنين الثاني والثالث كانوا من الأجانب، وعلى رأسهم أسرة البرامكة الفارسية، وأسرة الصوليين التركية، وأكبر الظن أن الجنس لم يكن له دخل في المسألة، فنحن نعرف كما مر بنا في القسم الأول من هذا الكتاب أن السجع قديم في اللغة العربية، وغاية ما هنالك أنه اختفى أول الأمر في الكتابة الديوانية، ثم أخذ يظهر فيها من حين إلى حين منذ القرن الثاني، على أننا لا نصل إلى أواخر القرن الثالث، حتى نجد دوافع كثيرة تدفع بعض الناس إلى التزامه في كتاباتهم، وكأنما حياتهم المليئة بالزخرف، والتصنيع هي التي دفعتهم إلى ذلك دفعًا، وممن كان يلتزم ذلك أبو العيناء المتوفى عام 282هـ، فقد كتب له أبو علي البصير رسالة جاء في آخرها: "وقد نفذت لي إليك رسالة العتاب، على مخرج ألفاظ الكتاب، وقد ملت إلى السجع على علمي بخساسة حظه، وركاكة معانيه ولفظه، إذ كنت تلوي به لسانك، وتثني إليه عنانك، قطعًا لحجتك، وإزاحة لعلتك"1، وبين أنه ينص على أن أبا العيناء، يلتزم السجع في رسائله كما ينص على أن السجع خسيس الحظ، ركيك اللفظ، وقد يكون في ذلك ما يدل على أنه لما يشع وينتشر.

على أننا لا نصل إلى عصر المقتدر "295-320هـ"، حتى نجد السجع يصبح عامًا في كل ما يصدر عن دواوينه، فليس هناك وزير، ولا كاتب إلا وهو يتخذ السجع في صياغته، وارجع إلى كتاب تاريخ الوزراء للهلال بن المحسن؛ وهو الكتاب الذي يؤرخ هذه الحقبة من خلافة المقتدر، فستجد كل ما يصدر عن هذا العهد يصدر مسجعًا، سواء في ذلك ما يصدر عن كاتب الرسائل من آل ثوابة، وما يصدر عن الوزراء أمثال ابن الفرات، وهو أول وزراء المقتدر، ثم علي بن عيسى الذي كان يتداول معه الوزارة لهذا العهد، وقد روى له الهلال طائفة كبيرة من الكتب، والرسائل، وكلها مسجوعة2؛

طور بواسطة نورين ميديا © 2015