التي كان يحتاجها كاتب الديوان في العصر العباسي، فهو يحتال في كتاباته، وهل في هذا الخطاب سوى الاحتيال بصورة طريفة عن الفكرة، التي يريد الكاتب أن يؤديها؟ اتسع هذا الاحتيال، واتسع ما يطوى معه من عناية باللفظ، كلما تقدمنا مع الزمن في العصر العباسي، وممن اشتهر في هذا الجانب كاتب آخر من الصوليين كان يكتب للمتوكل، وهو إبراهيم بن العباس الصولي، وكان يشبه عمرو بن مسعدة في دقة التعبير، وحبكته وما يطوى في ذلك أحيانًا من سجع، وانظر إليه يكتب لابن الزيات مستعطفًا1:

"كتبت وقد بلغت المدية المحز، وعدت الأيام على بعد عداوي بك عليها، وكان أسوأ الظن، وأكثر خوفي أن تسكن في وقت حركتها، وتكف عن أذاتها، فصرت أضر علي منها، كيف الصديق عن نصرتي خوفًا منك، وبادر إلي العدو تقربًا إليك".

وأنت ترى عند إبراهيم عمق التفكير، وطرافته كما ترى تأنقه في لفظه، ويظهر أن ذلك كان سمة عامة بين الكتاب فهم جميعًا يبالغون في العناية بألفاظهم، ولكن ينبغي ألا يفهم من ذلك أنهم كانوا يعمدون إلى السجع دائمًا، إنما هذه رسائل أخترناها لهؤلاء الكتاب، ولهم رسائل أخرى لا سجع فيها، ومعنى ذلك أن الكتاب حتى منتصف القرن الثالث، كانوا يسجعون أحيانًا، وأحيانًا لا يسجعون، وقد استمر ذلك شأنهم حتى أواخر هذا القرن، ومن أبرعهم في هذا الجانب، أبو العباس بن ثوابة المتوفى عام 277 للهجرة، وهو من أصل نصراني2، وكان يسجع أيضًا في بعض رسائله3، وكان له أخ يسمى جعفر بن محمد بن ثوابه تولى ديوان الرسائل في عهد الوزير، عبيد الله بن سليمان، وتوفي عام 284هـ، وقد بقي أبناؤه يتوارثون من بعده ديوان الرسائل في بغداد حتى تسمله منهم أبو إسحاق الصابي عام 349 4، ومما لا شك فيه أن هذه الأسرة لعبت دورًا مهمًا في استخدام السجع والتزامه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015