بإصلاحها فبلغت النفقة خمسين ألف دينار1، ولعل مما يدل على ترف العباسيين من بعض الوجوه، ما يروى عن السيدة زبيدة زوج هارون الرشيد من أن الثوب من الوشي الذي كان يتخذ لها، كانت تبلغ نفقته خمسين ألف دينار2، ويتصل بذلك ما يروى أن من أم المقتدر كان يشترى لها ثياب دبيقية لتصنع منها نعالها، وكانت تطلى بالمسك، والعنبر، والمذاب وتجمد3، فإذا كان المسك والعنبر يجمدان في نعالها، فما بالنا بثيابها، وطعامها، وما كان يتخذ فيها!
والحق أن الحياة العباسية كانت تقوم على الترف والزينة، وما يتصل بهما من تصنيع وزخرف، وقد ساعد الناس على ذلك ارتفاع مستوى المعيشة، وما كانوا عليه من بذخ وثراء، وربما كان مما يصور هذا الجانب من بعض الوجوه ما يروى من أن بعض العباسيين ورث عن مولى لأبيه، وابن عم له ماتا في يوم واحد ما قيمته أربعون ألف دينار، ويقولون: إنه عمر دارًا بألف واشترى جواري وآلات وفرشًا، وثيابًا بسبعة آلاف، وأعطى لتاجر ألفين يتجر له فيهما، وأودع في بطن الأرض عشرة آلاف للشدائد، وابتاع بالباقي ضيعة تغل في كل سنة ما يزيد على مقدار نفقته4، ومن يرجع إلى ما كتبه العباسيون عن عصرهم يجد صورًا مستفيضة، لترفهم، وحضارتهم، وتنميقهم، وإننا لنجد هذا التنميق في كل مكان، نجده في قصورهم، وحمامتاتهم إذ كانت تزين بالصور5 كما نجده في مساجدهم، وحتى الأبواب كانوا يزخرفونها، يقول آدم متز: إن أبواب الدور كانت تصنع من الخشب المحلى بالنقوش، وكانت تعلق البسط على الحيطان تتنافس بألوانها، وزركشتها6. ولعل من الطرف التي تعبر عن التصنيع في هذا العصر تعبيرًا دقيقًا، ما يروى عن المقتدر بالله وقصوره، وما كان فيها من بذخ إذ يقولون: إنه كان بقصره شجرة من الفضة زنتها خمسمائة