لا نكاد نمضي في العصر العباسي، حتى نحس أن الحياة العربية تغير إطارها تغيرًا تامًا، بل لقد تهدم إطارها القديم وحل محله إطار جديد من الزخرف والتصنيع، فقد أخذ الناس يعيشون معيشة حضارية مترفة، لا تتصل بالبادية ولا بالحياة العربية القديمة، إنما تتصل بالأناقة والترف والزينة، وقد كانت بغداد حاضرة الخلافة العباسية أهم مدينة في العالم العربي، تعبر عن هذه الحياة الجديدة، وما يتصل بها من زخرف، وتصنيع إذ "كانت تسمى بحق مدينة القصور المشيدة بالمرمر، وكانت العمائر فيها مؤلفة من عدة طبقات، وكان تأثير الذوق الفارسي ظاهرًا جليًا في زخرفها، وكانت تعلق على النوافذ، والأبواب ستور مزركشة وحوائر مشجرة، أما الغرف فكانت مزدانة بالدواوين النفيسة، والمناضد الثمينة، والزهريات الخزفية، والمرصعات والمذهبات، وكانت قصور الخليفة تتألق بالجواهر البراقة"1، وقد وصف بعض العباسيين دارًا للواثق، فقال: "إنها كانت ملبسة الحيطان بالوشي المنسوج بالذهب". ويقول: "إنه رآه يجلس على سرير مرصع بالجواهر، وعليه ثياب منسوخة بالذهب، وإلى جانبه فريدة تغنيه، وعليها مثل ثيابه"2. ويرى عن الوزير أبي الحسن بن الفرات أنه أنفق على الدار التي كان ينزلها في وزارته الثانية ثلمثمائة دينار، وأنه أمر