ألف درهم، وكانت تقم وسط بركة مدورة صافية المياه، وكان لها ثمانية عشر غصنًا، على كل غصن الطيور، والعصافير من كل نوع مذهبة ومفضضة، وكان بها ورق مختلف الألوان، وكانت تتميل في أوقات لها، فيتحرك هذا الورق وتصفر الطيور وتهدر، ويبالغ المؤرخون فيما كان بقصور المقتدر من ستور الديباج المذهبة بالطرز الجليلة المصورة بالجامات، والفيلة والخيل، والجمال والسباع، ويقال: إنه كان بأحد قصوره بركة رصاص حولها بستان بميادين فيه نخل، قيل: إن عدده إربعمائة نخلة، وطول كل واحدة خمسة أذرع، قد لبس جميعها ساجًا منقوشًا من أصلها إلى حد الطلع بحلق من شبه مذهبة1.
ووقف ابن خلدون في مقدمته عند ترف العباسيين، وأكبر من شأنه مستدلا بما كان من إعراس المأمون ببوران بنت الحسن بن سهل، وما نثره أبوها من بنادق المسك، وفيها الرقاع بأسماء الضياع، والجواري التي وزعها على المدعوين، ونثر أيضًا كثيرًا من الدنانير، والدراهم ونوافج المسك، ثم يقول: إن المأمون أعطى بوران مهرًا لها ليلة زفافها: ألف حصاة من الياقوت، وبسط لها فرشا كان الحصير منها منسوجا بالذهب، مكللا بالدر والياقوت، ويفيض ابن خلدون فيما اتخذ بهذا العرس من أطعمة2، وإن في كتاب البخلاء للجاحظ ما يدل على مدى ترف العباسيين في أطعمتهم، وأوانيهم، وتأنقهم في ذلك، وكما تأنقوا في طعامهم تأنقوا في ثيابهم، وملابسهم، فكانوا يلبسون الثياب المصبغة، وخاصة في شرابهم3، وما من ريب في أن ما انتشر في هذا العصر من غناء وشراب، ولهو كان له أثره في هذا الذوق المترف الذي يميل إلى أن يسري التصنيع، والزخرف في جيمع جوانب الحياة من عمارة، أو أطعمة أو فرش، وطبيعي أن يسري هذا الذوق من حياة العباسيين الاجتماعية إلى حياتهم الأدبية؛ لأنه تعبير عصرهم الذي عاشوا فيه، وإن الإنسان ليخل له كأن الناس فرغوا للتنميق والتصنيع، فهم يصنعون وينمقون في دورهم، وفي ملابسهم وفي طعامهم، وفي كل ما يتصل بهم.