حياته إذا أخرج كتابا معنونا باسمه نقموه عليه، وأظهروا له الازدراء، فكان كثيرا ما يؤلف كتبا، وينسبها إلى ابن المقفع والخليل والعتابي، وسلم صاحب بيت الحكمة، فيأتونه لكتابتها وروايتها عنه1!!

وقد عاش الجاحظ نحو ستة وتسعين عاما، وتوفي سنة 255هـ2، وأكبر الظن أن هذه السن الطويلة هي التي ساعدته على كثرة التأليف، وأيضا فقد كان مشوه الخلق جاحظ العينين3، فانصرف عنه الناس وعني هو بصناعة الكتب، ومما ساعده على ذلك أنه مرض شطرا طويلا من حياته، فاضطر إلى ملازمة بيته وقطع فراغة بالكتابة والتأليف، وقد ألف أثناء هذا المرض أشهر كتبه، ونقصد كتاب الحيوان الذي شكا فيه من مرضه4، والذي قدمه لابن الزيات المتوفى عام 233 هـ، وإنه ليقول له متفكها في إحدى رسائله، وقد أشار عليه أن يجلد كتبه: "جعلت كتبي مصحفا مصحفا.. ورأيت أن أنظر فيها وأنا مستلق، ولا أنظر فيها وأنا منتصب، استظهارا على تعب البدن، إذ كانت الأسافل مثقلة بالأعالي، وإذا كان الانتصاب يسرع في إدخال الوهن على الأصلاب"5. ويظهر أن هذا المرض الذي شكا منه الجاحظ في رسالته، وحيوانه هو الفالج، ومن يرجع إلى الحصري في ذيل زهر الآداب يجده يؤكد أن الجاحظ ألف الحيوان وهو مفلوج6، وقد صرح الجاحظ في كتاب البخلاء بأنه ألفه، وهو مصاب بالفالج إذ يقول: "صحبني محفوظ النقاش من المسجد الجامع ليلًا، فلما صرت قرب منزله، وكان منزله أقرب إلى المسجد الجامع من منزلي سألني أن أبيت عنده، وقال: أين تذهب في هذا المطر والبرد ومنزلي منزلك، وأنت في ظلمة، وليس معك نار، وعندي لبأ لم ير الناس مثله، وتمر، ناهيك به جودة، لا تصلح إلا له، فملت معه، فأبطأ ساعة، ثم جاءني بجام لبأ وطبق تمر، فلما مددت يدي

طور بواسطة نورين ميديا © 2015