ثلاثة أيام حتى أتيت أهلي فقلت لهم: بم أكنى؟ فقالوا: بأبي عثمان1، ويروى أنه حفظ رجلا أعجميا نسبا يدعيه لنفسه في العرب، فلما حفظه قال له: الآن لآتته علينا، فقال الرجل: سبحان الله! إن فعلت ذلك فأنا إذا دعي2، وهذا جانب واسع في الجاحظ، ومن خير ما يصوره كتاب البخلاء، وما رواه فيه من نوادرهم، وفكاهاتهم.

والحق أن الجاحظ كان شخصية فكهة كما كان شخصية لسنة، وقد عني بتأليف الكتب والرسائل، وأكثر من ذلك، حتى قالوا: إنه ترك نيفا ومائة وسبعين كتابا، ومن يرجع إلى الثبت الطويل الذي كتبه في أول حيوانه عن مؤلفاته يندهش لكثرة ما ألف وكتب، ولعل ذلك هو أساس شهرته، فقد طار اسمه في الآفاق حتى في عصره وزمنه، قص الرواة أنه قيل لأبي هفان: لم لا تهجو الجاحظ وقد ندد بك وأخذ بمخنقك، فقال: أمثلي يخدع عن عقله، والله لو وضع رسالة في أرنبة أنفي لما أمست إلا بالصين شهرة، ولو قلت فيه ألف بيت لما طن منها بيت في ألف سنة3، ويروون أن أندلسيا قرأ في موطنه كتابيه "البيان والتبيين" و"التربيع والتدوير"، فهاجر إليه يريد لقاءه، ويزعمون أن هذا الأندلسي، قال في بعض حديثه كان طالب العلم بالمشرق يشرف عند ملوكنا بلقاء أبي عثمان4.

ومن المحقق أن الجاحظ نال شهرة مدوية في عصره وبعد عصره، إذ نجد النقاد والأدباء يلهجون دائما بمدحه، والثناء عليه حتى ليقولون: إن كتبه رياض زاهرة ورسائل مثمرة5، وكان ابن العميد، يقول: إن الناس عيال عليه في البلاغة والفصاحة، واللسن والعارضة6، وكان يقول أيضا: إن كتب الجاحظ تعلم العقل أولا والأدب ثانيا7، ومع ذلك كان الجاحظ يشكو من حساده، وأنه كان في أوائل

طور بواسطة نورين ميديا © 2015