2- الأمثال الجاهلية:

خلف لنا عرب الجاهلية تراثا كبيرًا من الأمثال، وهي عبارات تضرب في حوادث مشبهة للحوادث الأصلية التي جاءت فيها، وقد عني علماء العصر العباسي بدراستها، وممن سبق إلى ذلك المفضل الضبي وأبو عبيدة، ثم خلف من بعدهما خلف أشهرهم أبو هلال العسكري في كتابه "جمهرة الأمثال"، والميداني في كتابة "مجمع الأمثال"، وهو يقول في مقدمته: إنه رجع في تأليفه إلى ما يربو على خمسين كتابا. وقد درج من ألفوا في الأمثال على أن يرتبوها حسب حروفها الأولى على نحو ما ترتب المعاجم ألفاظها، ولذلك نراهم يوزعونها عادة على تسعة وعشرين بابا بعدد أبواب الحروف الهجائية. ثم بعد هذا التوزيع يفسرونها، ويقصون أحيانا حوادثها التي جاءت فيها معتمدين -غالبا- على الظن والتخمين، مما جعل نيكسون يذهب إلى أن قيمة الأمثال محدودة بالنسبة إلى العصر الجاهلي1. وحقا ما يذهب إليه، فقد طال العهد بين العصر الجاهلي، وعصر هؤلاء المفسرين، وإنه لينبغي أن نثني على صنيعهم، ولكن مع شيء من الحذر في الأخذ بتفسيرهم وقصصهم، وما يحكونه من أخبار، ما دمنا نتهم القصص الجاهلي، وما نسب إلى عرب الجاهلية من أخبار وأحداث.

ومعروف أن المثل لا يتغير، بل يجري كما جاء على الألسنة، وإن خالف النحو وقواعد التصريف، فقد جاء في أمثالهم: أعط القوس باريها2 بتسكين الياء في باريها، والأصل فتحها، وجاء أيضا في أمثالهم: "أجناؤها أبناؤها" جمع جان وبان، والقياس الصرفي: جناتها بناتها؛ لأن فاعلا لا يجمع على أفعال. وتقول: الصيف ضيعت اللبن3 بكسر التاء إذا خوطب بها المذكر والمؤنث والاثنان والجمع، ومعنى ذلك أن المثل لا يغير، وأنهم يستجيزون فيه ما لا يستجيزون في سائر الكلام.

وينبغي أن نلاحظ أن بعض الأمثال مبهم غامض، لا يفهمه سامعه، أو قارئه إلا إذا رجع إلى كتب الأمثال يستعين بها في شرح المراد منه، من ذلك قول العرب: "بعين ما أرينك"، فإن معناه أسرع، وهو معنى لا يفهم من اللفظ بتاتا، وقد علق عليه أبو هلال العسكري بقوله: "هو من الكلام الذي قد عرف معناه سماعا من غير أن يدل عليه لفظه"4. ومن هذه الأمثال الغامضة ما اضطرب الشراح في تفسيره على نحو ما نجد في هذا المثل: "لا يعرف

طور بواسطة نورين ميديا © 2015