ومع ذلك فالجزار كان أخف شعراء العصر روحًا وميلًا إلى المداعبة، ونحن نقف قليلًا عنده وعند ابن نباتة لنتبين هذا العصر في نور أعم وأوضح.
الْجَزَّارُ:
"الشاعر المفتنُّ جمال الدين أبو الحسين يحيى بن عبد العظيم، المصري المولد والوفاة، والمعروف بالجزار الشاعر المشهور، أحد فحول الشعراء في زمانه. وكان من محاسن الدنيا، وله نوادر مستظرفة ومداعبات ومقارضات مع شعراء عصره، وله ديوان شعر كبير. قال الشيخ صلاح الدين الصفدي: "لم يكن في عصره من يقاربه في جودة النظم غير السراج الوراق، وهو كان فارس تلك الْحَلْبة، ومنه أخذوا وعلى نمطه نسجوا، ومن مادته استمدوا"1، وتوفي الجزار عام 679 للهجرة. ويقول صاحب مسالك الأبصار فيه: "قال الشعر وهو صغير أول ما احتلم، وطاف بأركان بيت له واستلم"2. وقد ترجم له صاحب المغرب ترجمة طويلة أفاض فيها في وصف جوده وما لحقه هو نفسه من هذا الجود، وهو يبدأ ترجمته على هذا النمط: "الجمال أبو الحسين الجزار هو يحيى بن عبد العظيم ختمت به شعراء الفسطاط ليكون الختام بمسك، وكان بينهم في هذا العصر بمنزلة الواسطة من السلك، وكان أبوه وأقاربه جزارين بالفسطاط، دكاكينهم بها إلى الآن، قد عاينتها وأبصرته معهم بها، وكان في أول أمره قصابًا مثل أبيه وقومه، فحام على الأدب مدة وأكثر حوله من حَوْمه، فرفعت له في القريض راية. ولم يزل ذلك دأبه في بلده، حتى أخذ علو الطبقة بيده، فصار العلم الذي إليه الإشارة بين الجميع، وأصبح جوَّالا في آفاق الديار المصرية، حتى صار له في أقطارها عدة رسوم يجتمع له فيها ما لا يحصله في هذا العصر أحد من أهل المنظوم"3. ونرى من هذا النص الطويل أنه نشأ بين ساطور ووضم؛ غير أن هذه النشأة لم تعقه عن أن يحتل مكانة رفيعة بين