ساكن البليقي، ويروى له قطعة يعف القلم عن ذكرها لما فيها من فحش، وقد بدأها بقوله:
بسِّي من الدين الثاني ... نرجع لديني الحقاني
على أنه ينبغي أن نعرف أن هذه الأنواع كانت تمتلئ بفنون البديع من جناس وتورية وما إليهما كهذا الدوبيت وفيه تورية وتهكم بقاضي يأخذ الرشوة1:
في مصر من القضاةِ قاضٍ ولهْ ... في أكلِ مواريثِ اليتامى ولهْ
إن رمت عدالة فقل مجتهدًا ... من عدَّ له دراهمًا عَدَّلَهْ
أما المواليا فقد كان أشهر أصحابها -كما يقول ابن حجة- أبا بكر بن العجمي فإنه كان إمام فنونها المتشعبة. وساق ابن حجة له مثالًا منها، وهو قوله2:
للحبِّ قالوا مُعَنَّاك الذي إذ بلتو ... جدلو بقبله فقلبوا فيك خبِّلتو
فقال أقسمْ لو أن البوس سَبِّلتو ... ومات، للشرق مادِرْتُو وقَبِّلْتو
وفي هذه المواليا جناس معكوس واضح، وفيها أيضًا تورية في كلمة قبلتو. وإذا كانت هذه الفنون قد تسربت إلى الشعر الشعبي فلأنها كانت عامة في الشعر العربي حينئذ، وكان يعم معها فيه أيضًا التصنع لمصطلحات العلوم، وخاصة مصطلحات النحو والحديث والتاريخ والبديع والعروض كقول الجزار3:
كفُّهُ زمزمٌ تفيضُ على العا ... فين جودًا والمالُ فيه الحطيمُ
هو أولى بالرفع إن أعربَ الدَّهـ ... رُ وعُمْرُ العدا به مجزومُ
عارفٌ بالبديعِ لم يخفَ عنه النـ ... قصُ منا يومًا ولا التتميمُ
ويجيز الإيطاء في الجود لكنْ ... شابنا نحن في المديح اللزومُ