نجد جزارًا وحماميًّا وأيضًا نجد خياطًا1. وكان ابن دانيال كحَّالًا. وكل ذلك معناه أن الشعر في مصر يسعى دائمًا إلى أن يكون شعبيًّا. وهناك جانب آخر من هذه الشعبية لعله كان أهم من الجانب السابق، وهو شيوع الأزجال في هذا العصر أكثر من العصور السابقة، وشاع معها النظم من الدوبيت والمواليا والكان وكان، كما شاع نوع يسمى البُلَّيق، وهو ضرب من الزجل الماجن، يقول ابن سعيد يصف هذه الأنواع وقد سمعها بمصر في هذا العصر:

"الدوبيت: يقول من أهل القاهرة كثير؛ ولكن المرضي قليل، ولم أسمع بها من شعرائه أحسن مما أنشدنيه لنفسه الزكي بن أبي الأصبع:

قبَّلتُ ثنايا كجمان العقدِ ... منه وعدَلْت عن نضارِ الخدِّ

ناداني ماذا؛ فقلت طبع عربي ... يشتاق أقاح الرَّوض دون الوردِ

الكان وكان: كنت راكبًا مرة في خليج القاهرة فمررت على منظرة وجارية تغني:

استنبهتْ وأنبهتني ... قالت حبيبي كم تنامْ

وسمعت الذين يطوفون بالجمَّيز على هذا الخليج يغنون:

السودُ مسك وعنبرْ ... والسُّمْرُ قضبانُ الذَّهب

والبيضُ ثوبٌ دبيق ... ما يحتمل تَمْعيك

البُلَّيْق: أظرف من كان في هذه الطريقة بالقاهرة في عصرنا القادوس، وله الزجل المليح المشهور الطائر في الآفاق بجناح الاستحسان "المليح قلبي عليه يخفق ... " ولا نطيل بذكر هذا الزجل فليرجع إليه من شاء في كتاب المغرب2. ويقول ابن سعيد في موضع آخر، إنه رأى جماعة يصنعون البليق بالفسطاط، ويقول إنه على طريقة الزجل الأندلسي، وإن أهم صناعه بالفسطاط

طور بواسطة نورين ميديا © 2015