ديارُ مصرَ هي الدنيا وساكنها ... همُ الأنامُ فقابلها بتفضيلِ

يا من يباهي ببغداد ودجلتها ... مصر مقدمةٌ والشرحُ للنيلِ

لذلك لم يكن غريبًا أن يسجل عصر المماليك صفحة زاهية في تاريخ مصر. وفي مساجدهم التي لا تزال قائمة تحت أبصارنا بالقاهرة ما يدل على مدى نهضتهم بالفن والعمارة وما تنطوي عليه من زخرف وجمال. وكما نهضوا بالعمارة نهضوا بالعلم والشعر، وكان منهم العلماء الممتازون كالملك المؤيَّد الذي يقول فيه ابن حجر: "كان معه إجازة بصحيح البخاري من شيخ الإسلام سراج الدين البلقيني؛ فكانت لا تفارقه سفرًا ولا حضرًا"1، وغير الملك المؤيد إن لم يأخذ إجازة مثله فإنه كان يجلُّ العلماء ويكافئ الشعراء والأدباء. ونحن نعرف أنه ألفت في هذا العصر أكبر الكتب والمراجع في الأدب والتاريخ من مثل: مسالك الأبصار لابن فضل الله العمري وصبح الأعشى، ونهاية الأرب، وخطط المقريزي والسلوك. وإذا رجعنا إلى الشعر والشعراء وجدنا الدفعة الهنيئة من الفكاهة والدعابة التي سبق أن رأيناها في العصر الفاطمي تعود إلى هذا العصر، ومثَّل ابن دانيال في اللغة العامية هذه الدفعة بكتابه "طيف الخيال" وهو تمثيلية لطيفة، كما مثلها في اللغة العربية الجزار والحمَّامي وسراج الدين الورَّاق إذ كانت روحهم فكهة، وخاصة جزارهم، ولعل ذلك ما جعل ابن سعيد، وقد زار مصر في القرن السابع يقول2:

أسكان مصر جاور النيلُ أرضَكُم ... فأكسبكم تلك الحلاوةَ في الشِّعرِ

وكان بتلك الأرضِ سحرٌ وما بقى ... سوى أثرٍ يبدو على النظمِ والنثرِ

وفي اسمي الجزار والحمامي ما يدل على أن الشعر في هذه العصور أخذ يتصل بالشعب، فمن قبل رأينا في العصر الفاطمي ظافرًا الحداد شاعرًا، والآن

طور بواسطة نورين ميديا © 2015