"نُسب أبو العلاء إلى التمذهب بمذهب الهنود لتركه أكل اللحم خمسًا وأربعين سنة، وكذلك البيض واللَّبن، وكان يحرِّم إيلام الحيوان"1 ويقول ابن فضل الله العمري: "ترك أبو العلاء أكل لحوم الحيوان وعموم ما يجري مجراها من الأعسال والألبان ومال في هذا إلى رأي الحكماء! وقال بمذهب البراهمة في تجنُّب إراقة الدماء"2. ويقول السلفي: "من عجيب رأي أبي العلاء تركه تناول كل مأكول لا تنبته الأرض شفقة على الحيوانات حتى نسب إلى التبرهم، وأنه يرى رأي البراهمة في إثبات الصانع وإنكار الرسل، وفي شعره ما يدل على هذا المذهب"3 وواضح من هذه النصوص أن العرب لم يصلوا بين نباتية أبي العلاء وفلسفة اليونان، إنما وصلوا بينها وبين التبرهم والبراهمة، فهي ليست شيئًا يونانيًّا. ومن الخطأ أن يعتمد عليها بعض الباحثين في إثبات فلسفة أبي العلاء، وهي لا تمت مباشرة إلى اليونان وفلسفتهم.
والحق أن أبا العلاء ليس فيلسوفا بالمعنى اليوناني لهذه الكلمة إلا إذا توسعنا في معناها وجعلنا كل شخص يفكر تفكيرًا حرًّا فيلسوفًا أي محبًّا للحكمة. آخذًا بقوانين العقل غير متقيد بعرف الناس ولا بما يعتنقون من آراء وأفكار. إذن يكون أبو العلاء فيلسوفًا، ومن أهم مما يميزه ما نراه عنده من تشاؤم شديد؛ فالعالم مليء بالشر وأيضًا ما نراه عنده من شكوك.
يقول التبريزي: "إن أبا العلاء سألني يومًا ما الذي تعتقد؟ فقلت في نفسي: اليوم أقف على اعتقاده، فقلت له: ما أنا إلا شاك، فقال: وهكذا شيخك"4. وأقرَّ أبو العلاء بهذا الشك في إحدى رسائله إلى داعي الدعاة إذ يقول: "قد بدأ المعترف بجهله المقر بحيرته والداعي إلى الله سبحانه أن يرزقه ما قلَّ من رحمته"5. ويظهر أنه كان لمحنة أبي العلاء في بصره أثر في تكييف هذا الشك العلائي؛ فقد كان يضيق بما أصابه من هذا الشر في بدء حياته ولم يستطع له